في هذا التّوقيت وبهذه الطّريقة ستنتهي الحرب
السؤال المطروح لدى كلّ لبناني: متى وكيف ستنتهي هذه الحرب المدمّرة؟
الإجابة على هذين السؤالين متشعّبة. فهي مرتبطة بالحرب الدائرة وباتّجاه العمليات العسكرية (سيما منها البرّية إن حصلت وتمدّدت) وبالأوضاع الداخلية اللبنانية وتلك الاسرائيلية على السواء، وبإيران وبسياسة “محور الممانعة”، وبالحلول المطروحة لقطاع غزة والضفة وما يُخطّط للدولة الفلسطينية العتيدة.
منذ أمد بعيد يقع لبنان دائماً أمام خيارين. لم تمرّ فترة زمنية إلا وتمّ تخيير اللبناني بين وضعين.
إثر الحرب الأهلية، وُضع لبنان أمام خيار بين منطق “هونغ كونغ” المتضمّن لكيفية البناء والإعمار ومدّ الجسور وشقّ الطرقات وإنشاء الجامعات وفتح المستشفيات، وتدشين المراكز التجارية، واستقرار العملة، والنهوض بالاقتصاد وإعادة إعمار ما خرّبته الحرب… وبين الخيار المقابل الشبيه بما كانت عليه العاصمة الفيتنامية هانوي أثناء حربها ضدّ الغزوين الفرنسي والأميركي. وأساس هذا الخيار الثاني مبنيّ على استمرار “التصدّي والصمود” وامتشاق السلاح وبناء الخنادق.
لإنهاء الحرب الأهلية، وُضع اللبناني أمام خيار آخر من اثنين:
– إمّا الاتفاق على مندرجات اتفاق الطائف.
– أو العصيان بوجه الدولة والمؤسّسات الدستورية.
يتضمّن دستور لبنان (بعد الطائف) حلّ جميع الميليشيات وتسليم سلاحها إلى الدولة اللبنانية. لكنّ الخيار يومها وحتى كتابة هذه السطور أشبه بالصيف والشتاء فوق سقف واحد. حيث اخترع شعار “مقاومة الاحتلال” لكي لا يسلّم الحزب سلاحه، فانسحب المحتلّ عام 2000 وبقي سلاح الحزب.
الرّضوخ…. أو الاغتيالات
– عام 2004 صدر القرار الأممي 1559 المستند إلى دستور لبنان واتفاق “الطائف” الذي ينصّ بدوره على تسليم كلّ السلاح من دون استثناء للدولة اللبنانية. وكان الخيار المرّ أنّه لدى البدء بالحديث عن تطبيقه بدأت الرسائل الأمنية مع محاولة اغتيال مروان حمادة مروراً باغتيال الرئيس رفيق الحريري وبعده 13 من قادة الرأي في لبنان لتشمل الاغتيالات كلّ مُعارض لبقاء السلاح بيد الحزب.
– في عام 2006، ولكي ينسف مضمون القرار 1559 الذي ينصّ على تسليم سلاحه، وضع الحزب لبنان في خضمّ حرب تموز. ومن جرّاء هذه الحرب، تولّت العواصم الغربية توليفة، “فدبلجت” القرار 1701، ونامت تل أبيب والحزب على وسادة هذا القرار لسنوات.
هذا الإغفال “المتعمّد” لاحتيال الحزب على القرار 1559 ولبنود اتفاق الطائف، أدّى اليوم لحرب الإشغال والاستنزاف تلك، فوجد اللبناني نفسه أمام خيارين منذ عام ولغاية اللحظة:
– التخلّي عن السلاح.
– أو الاستمرار في نهج المعاندة والمكابرة والالتصاق بالمشروع الإيراني المراد منه حماية النظام في طهران وتنفيذ غاياته وأجندته.
تمرّد في بيروت على الحزب؟
هكذا تطول الحرب المدمّرة في لبنان ويستمرّ الحزب بترداد ربطه وقف النار في لبنان بوقفه في غزة.
بعد استهداف كبار القادة في الحزب والمراكز القيادية، تمّ تكليف رئيس مجلس النواب بالإعراب عن الاستعداد لوقف النار. وانقسم نواب الحزب بين مؤيّد له مقابل آخرين رفضوا التنازل عن شعار الربط بين غزة ولبنان. حينها صرّح نجيب ميقاتي أنّ الحكومة اللبنانية تعلن موافقتها على تنفيذ القرار 1701 “كاملا” (تعبير “كاملاً” يعني تنفيذ البند الثالث منه العائد والمستند إلى القرار 1559 المتضمّن تسليم سلاح الحزب إلى الدولة اللبنانية وحصر قرار الحرب بها).
هذا الاتّجاه المستجدّ استنفر طهران، فأرسلت سريعاً وزير خارجيتها عباس عراقجي إلى بيروت بزيارة مفاجئة ليضع حدّاً لهذا الاتّجاه و”فرملة” نبيه بري ومنع ميقاتي من التداول بأيّ حلّ دبلوماسي.
يقضي الحلّ الدبلوماسي المعروض لإنهاء الحرب المستعرة بتسليم الحزب سلاحه الثقيل للجيش اللبناني، وبزيادة انتشار عديد ألوية الجيش في الجنوب وبتسيير دوريات مع اليونيفيل بجنوب الليطاني لضمان التنفيذ من دون أيّ قيد أو شرط. كما يقضي بانتخاب رئيس للجمهورية بعيداً عن مرشّح الحزب سليمان فرنجية. لكنّ زيارة وزير الخارجية الإيراني نسفت هذا الحلّ المدرج ضمن القرارات الدولية وفي وثيقة الوفاق الوطني الصادرة عن مؤتمر الطائف.
الخياران مجدّداً على الطّاولة
مرّة إضافية يوضع لبنان أمام خيار الاستمرار بوضعية القرار 1701 التي تجعل جنوب وبقاع لبنان أمام سيطرة السلاح وجرّ البلاد تباعاً لحروب مدمّرة، أو اتّباع الخيار الذي يطبّق مضمون مؤتمر الطائف والقرار 1559 والقرار 1680 لإنهاء هذه الحالة المدمّرة للبنان.
في هذه الأثناء، تستمرّ إسرائيل في غاراتها وعمليّاتها العسكرية، وتخطّط لتوسيع الهجمات لتشمل البرّ والبحر معلنةً أنّ من “يحمي حدود إسرائيل هو فقط الجيش الإسرائيلي”. وأمام هذه العدوانية الشرسة المتوثّبة والقافزة باتجاه التصعيد والتوسّع وصولاً إلى طهران واستهداف “الحشد” في العراق بعد استباحة أجواء سوريا وأراضيها واستهداف الحوثيين في اليمن، يبقى على الحزب الذي دفع أثماناً باهظة أن يتعلّم الدرس ويستوعب مآل الحرب ونتائجها.
في الضفّة المقابلة، أعلنت حكومة نتنياهو أنّ مواطني الشمال سيعودون إلى قراهم ومدنهم خلال ثلاثة أو أربعة أسابيع. لكنّ المؤسف أنّ مهجّري جنوب لبنان وضاحية بيروت وقرى البقاع لن يعودوا خلال سنوات بسبب نسبة الهدم والدمار والخراب والركام الفائقة الوصف. وللأسف لا نزال نستمع لـ”مطبّلين ومزمّرين” يردّدون مثال “سيارة الفيراري عند اصطدامها بسيارة الرينو 5، وأيّ سيارة منهما أضرارها أكبر”، للزعم بهتاناً بأنّ أضرار إسرائيل أكبر.
أمام هذا المشهد المؤلم وعجز الدولة، سواء عن إنقاذ المهجّرين اللبنانيين وإعالتهم أو فرض تراجع الحزب، الحرب المدمّرة مستمرّة لحين تراجع الحزب إن لم نقل استسلامه.
هل ينقذ الحزب بيئته والدّولة؟
لكنّ الحزب أيضاً أمام خيارين:
– إمّا الاستمرار في حربه وتحمّل وزر القضاء عليه.
– أو تسليم سلاحه للدولة وإنقاذ ما بقي من هيكليّته وتنظيمه.
بقبوله تنفيذ القرار 1559 ومقرّرات الطائف ينقذ ما بقي من لبنان وينقذ بيئته وحاضنته الشعبية وكلّ المكوّنات اللبنانية.
إذاً من الطبيعي الاستنتاج أنّ انخراط الحزب في حلّ سياسي أساسه انتخاب رئيس جمهورية غير مرشّحه سليمان فرنجية، وتشكيل حكومة جديدة لا يسيطر على تفاصيلها وعلى بيانها الوزاري وعلى وزاراتها السيادية وعلى سلطتها التنفيذية، هو الطريق الوحيد لإنقاذ لبنان.
لكن للأسف من المستبعد أن يهجر الحزب خطابه الخشبي أو أن يسير بعكس ما تريده طهران.
بيد أنّ الوقائع على الأرض تظهر نوراً في نهاية هذا النفق قد ينهي وضع لبنان أمام الخيارات القاتلة الممتدة منذ العام 1982.
على الرغم من كلّ الغيوم السود، يبدو أنّ الأمور تسير نحو حلول جذرية شعارها تقليم أظافر أذرع إيران في المنطقة والتقليل من نفوذ طهران وإعادتها إلى حجمها الطبيعي بعدما نفخ الحزب الديمقراطي الأميركي والرئيس باراك أوباما في بالونها، لكن عادت الإدارة الحالية وأعلنت موافقتها التامّة مع إسرائيل على ضرب البنية التحتية للحزب.
بالعودة إلى قول الإمام علي: “الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا”. الضربات المميتة قد تحيي، وعلى الحزب أن يستفيق و”يتلبنن” وأن يجرؤ على حماية بيئته وحاضنته الشعبية كما كلّ اللبنانيين.
الحرب تطول أو تقصر وفقاً لاستيعاب الحزب، والحلّ يكون عاجلاً إن تمّ تسليم السلاح والتقيّد بالدستور وباتفاق الطائف وبالقرارات الدولية، فيطلّ اليوم التالي ويأتي لمصلحة كلّ لبنان.
بديع يونس – اساس ميديا