استهداف المستشفيات.. هل “تستنسخ” إسرائيل نموذج غزة في لبنان؟!

استهداف المستشفيات.. هل “تستنسخ” إسرائيل نموذج غزة في لبنان؟!

في الأيام الأولى من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عقب عملية “طوفان الأقصى”، قامت الدنيا ولم تقعد حين ارتكب العدو ما اصطلح على تسميتها بـ”مجزرة المستشفى المعمداني”، ما اضطرها إلى التنصّل من المسؤولية، واتهام الفلسطينيين بالوقوف خلفها، عن غير قصد ربما، في رواية لم يتأخّر الرئيس الأميركي جو بايدن حينها بتبنّيها، ما أثار سخطًا عالميًا، ولا سيما أنّ واشنطن بدت وكأنّها توفّر الغطاء لضرب المرافق الصحية.

لكن سرعان ما تحوّل ضرب المستشفيات إلى “روتين” ينتهجه الجيش الإسرائيلي، في سياق حربه على قطاع غزة، بذريعة أنّ حركة حماس تقيم أنفاقًا تحتها، حتى بات الاستهداف الممنهج للمرافق الصحية في القطاع، وتعريض حياة المرضى للخطر، أمرًا عابرًا يمرّ مرور الكرام، وكأنّه جزء من حقّ إسرائيل المزعوم “بالدفاع عن النفس”، ولم تعد تثار ثائرة أحد من قادة الغرب بسبب هذه الجرائم، بما في ذلك داعمي حقوق الإنسان.

ولأنّ أحدًا لم يسعَ لردع إسرائيل في غزة، فإنّ ثمّة من يخشى أن تسلك النهج نفسه في حربها الوحشية على لبنان، وهو ما بدأت تباشيره في الايام الماضية في أكثر من محطّة، سواء في مجزرة الجناح التي ارتكبتها في محيط مستشفى رفيق الحريري الحكومي، في رسالة بالغة الخطورة، أو في المزاعم التي أطلقتها حول مستشفى الساحل في الضاحية الجنوبية، والتي بدت مشابهة للادعاءات التي كانت تسبق المجازر التي ترتكبها في غزة..

“حرب على المستشفيات”

هي “حرب على المستشفيات”. قيلت هذه العبارة مرارًا وتكرارًا في قطاع غزة، في إشارة إلى تعمّد إسرائيل استهداف المستشفيات والمرافق الصحية، من دون أيّ اعتبار لحياة المرضى والجرحى الموجودين فيها، وقد أضحى عدد “المجازر” المرتبطة بالمستشفيات يوازي ربما عدد المرافق الصحية في القطاع، التي خرج أغلبها أصلاً عن الخدمة، إما بفعل القصف، أو بفعل الحصار، أو الظروف غير الإنسانية التي تفرضها إسرائيل على غزة.

ولا يبدو استهداف المستشفيات غريبًا على العدو الإسرائيلي الذي اعتاد “تفصيل” بنك أهدافه على قياس منع كلّ مظاهر الحياة في قطاع غزة، وتحويله إلى مكان غير صالح للسكن، وهو على مدى عام كامل من الحرب، لم يترك حجرًا على حجر في القطاع، في سياق مشروعه الأكبر القائم على التهجير، وهو يستفيد بذلك من الدعم الغربي منقطع النظير الذي يحصل عليه، بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

وإذا كانت إسرائيل تتذّرع بأنفاق حماس للهجوم على المستشفيات، وسط صمت العالم المتفرّج منذ عام على إبادة الشعب الفلسطيني، وكأنّه يشاهد مسلسلاً تلفزيونيًا، فإنّ المستغرب يبقى الصمت المريب لدول الغرب، بل توفيرها الغطاء لجرائم من نوع استهداف المستشفيات، علمًا أنّ القوانين الدولية، بما في ذلك قوانين الحروب، لا تبرّر ضرب المستشفيات ولا تشرّعه، حتى لو كان أهمّ المطلوبين موجودًا في داخلها.

مستشفيات لبنان في خطر؟

انطلاقًا ممّا سبق، يبدو التخوّف من “استنساخ” نموذج مستشفيات غزة في لبنان مشروعًا، ولا سيما أنّ العدوّ يكرّر منذ بدء العدوان الجرائم نفسها التي ارتكبها في غزة، بل يكاد يستخدم نفس الأساليب والتكتيكات، وها هو يبدأ “الدعاية” نفسها التي اعتمدها في غزة، بصورة أو بأخرى، مع مستشفيات لبنان، حيث لم يكد يطلق المزاعم حول استخدام “حزب الله” لمستشفى الساحل، حتى أرفقها برسالة “نارية” في محيط مستشفى رفيق الحريري الحكومي.

وبالفعل، سُجّل استنفار غير مسبوق في القطاع الصحي اللبناني خلال الساعات الماضية خوفًا من سيناريو إسرائيلي “جهنّمي”، وسط مطالبات بالجملة من المعنيّين للمجتمع الدولي بالتدخل لحماية المستشفيات من القصف الإسرائيلي، وتأكيد أنّ القطاع الاستشفائي بعيد كل البعد عن أي أعمال غير صحية، فيما نظّمت مستشفى الساحل جولة للإعلاميين لتفنيد المزاعم الإسرائيلية التي يقول العارفون إنّها خبيثة وغير بريئة.

وعلى الرغم من أنّ المتحدّثين باسم جيش الاحتلال قالوا إنّ الهجوم على المستشفى ليس مطروحًا بعد، فإنّ المعنيّين يقولون إنّ كل الاحتمالات تبقى مفتوحة في ظلّ “اليد المطلقة” الممنوحة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حروبه “الجهنمية”، ولو أنّ ما حصل حتى اليوم يبقى على الأرجح بمثابة “رسائل ملغّمة”، تريد من خلالها إسرائيل تحقيق مكاسب سياسية على طاولة المفاوضات، ولو بسلاح “التهويل” الذي تتقن فنونه.

حتى الآن، لا يمكن القول إنّ إسرائيل تريد فعلاً “استنساخ” نموذج التعامل مع مستشفيات غزة في لبنان، باعتبار أنّ الظروف تبقى مختلفة رغم كلّ شيء، وأنّ ما أمكن تمريره في القطاع قد لا يكون مُتاحًا في لبنان. لكنّ الأكيد، ولعلّه ما يدعو للخوف، هو أنّ إسرائيل قد تبيح لنفسها كلّ شيء، من أجل فرض “شروطها” على طاولة المفاوضات، وهي “شروط” يبدو حتى الآن، أنّها غير قابلة للتطبيق، للكثير من الأسباب والاعتبارات!

المصدر : لبنان 24