هل تلبّي تعهّدات “مؤتمر باريس” حاجات لبنان الملحّة؟
هل تلبّي تعهّدات “مؤتمر باريس” حاجات لبنان الملحّة؟
أفضى مؤتمر الدعم الدولي للبنان الذي انعقد أمس في باريس إلى تعهّدات مالية بقيمة مليار دولار توزّعت على 800 مليون دولار مساعدات إنسانية وإغاثية تغطي قطاعات أساسية كالصحة والغذاء والمياه والتعليم، و200 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني… علماً أن غالبية هذه التعهّدات ستكون في إطار مساعدات عينيّة وليست نقدية. على أن يلي مؤتمر الأمس، مؤتمر آخر خاص بدعم الجيش اللبناني يُعقد في روما.
هل تلبّي هذه الأرقام حاجات لبنان الملحّة في ظل العدوان الإسرائيلي المشتعِل على لبنان؟!
رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل يشير في السياق إلى أن “مؤتمر باريس يعكس الاهتمام الدولي بلبنان من الناحية الإنسانية وهذا ما تجلّى في الكلمات التي ألقاها الرئيس الفرنسي ووزير الخارجية الألماني والتي أكدت أن “لبنان ليس متروكاً” بما يمهّد لتلبية الحاجات الإنسانية الملحّة في لبنان ودعم الجيش.
وكانت الحكومة اللبنانية “قدّمت للدول المانحة ورقة بحاجات لبنان بشكل مفصّل بقيمة مليار و160 مليون دولار، وموزّعة على شقين: الأول: 426 مليون دولار، والثاني: 672 مليون دولار لدعم الخدمات العامة كالصحة والتعليم والمياه والنقل والطاقة والحماية الاجتماعية” وفق غبريل “ووصّفت الورقة أوضاع هذه القطاعات وحاجاتها، ففي الموضوع الصحي على سبيل المثال لا الحصر، توقف 100 مركز للرعية الأوّلية و6 مستشفيات عن العمل…”.
ويلفت غبريل إلى أنه “على رغم مشاركة مؤسسات متعدّدة الأطراف في مؤتمر باريس أمس كالبنك الدولي، لم يتطرّق المؤتمر إلى الوضع الاقتصادي أو الإصلاحات والحاجات الاقتصادية في لبنان في مرحلة ما بعد الحرب، ولم تكن أساساً من صلب أهداف المؤتمر. إذ إن هذا الموضوع مؤجَّل إلى ما بعد انتهاء الحرب لأنه من الصعب معرفة حجم الخسائر المباشرة وغير المباشرة المادية وغير المادية قبل انتهاء الحرب!”.
…”الشق الاقتصادي والمالي إذاً مؤجّل” يتابع غبريل “علماً أنه قد يكون هناك تحضيرات لعقد مؤتمر خاص بالاقتصاد، لكن من المبكر الحديث عنه نظراً إلى ضراوة العدوان الإسرائيلي واحتدامه حتى اليوم”.
وليس بعيداً، يشير إلى حاجات الاقتصاد في مرحلة ما بعد الحرب، “كإعادة الإعمار، ودعم المالية العامة، والمؤسسات المعنية والقطاع الخاص، ومن جهة أخرى البرنامج الإصلاحي المعلَّق” وهنا يقول: في الزيارة الأخيرة لوفد صندوق النقد الدولي إلى لبنان في أيار 2024 أوضح الوفد أن الاتفاق الموقَّع بين الصندوق والدولة اللبنانية عام 2022 قد تخطاه الزمن ويجب بالتالي تعديل مضامينه وتحديث أرقامه… كذلك أعلن الوفد أن صندوق النقد مستعد لدعم لبنان مالياً لكنه ينتظر إعادة تكوين السلطة اللبنانية من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة بصلاحيات كاملة، عندها تتوجّه هذه السلطة الجديدة إلى صندوق النقد وتعلن مطالبها وحاجاتها ضمن خطة واضحة لمناقشتها.
في ضوء هذه المعطيات، يرى غبريل أن “المقاربة الاقتصادية يجب أن تختلف ما بعد الأزمة وأن تكون مبنيّة على نقطتين: استعادة الثقة إلى الاقتصاد والمؤسسات، وتحديد هوية واضحة للاقتصاد اللبناني. وهما ما يحدّدان مضمون أي برنامج إصلاحي وإنقاذي للبنان. وحتى ذلك الحين يجب أن يتوقف العدوان الإسرائيلي وأن تكون الأولوية لمساعدة النازحين والمجتمعات المُضيفة وتأمين الحاجات في ظل شحّ إمكانات السلطة المركزية”.
مؤتمر باريس يأتي في هذا الاتجاه، وفق غبريل “من دون أن نغفل أن الدعم العربي سبق المؤتمر ولا سيما دعم الإمارات العربية المتحدة التي خصّصت مساعدات للبنان بقيمة 100 مليون دولار، وبنت جسراً جوياً مع المملكة العربية السعودية وقطر ومصر والأردن، إلى جانب بلدان أجنبية دعمت لبنان بدورها”.
ويختم: مؤتمر باريس أمس أكد أن لبنان ليس متروكاً، لكنه أمام مسار طويل لتحقيق الدعم الاقتصادي الدولي للبنان، ومن المُبكر الكلام عن الخسائر المباشرة وغير المباشرة أو أي توقعات لسنة 2025. فأرقام الخسائر التي تُنشَر ليست مبنيّة على إحصاءات أو مسح ميداني بل تبقى وجهة نظر، خصوصاً أن الحرب لم تنتهِ بعد.