تسوية على حساب لبنان؟
رقّب مشوب بالحذر يطغى على الساحة السياسية الداخلية، وإن كانت كل الدينامية الديبلوماسية لم تصرف الأنظار عن الميدان حيث تحتدم المعارك على الأرض، وكأن هناك سباقاً محموماً ما بين استمرار الحرب وبين المجهود الذي يقوم به الموفد الأميركي آموس هوكستين في ربع الساعة الأخير لإدارة الرئيس جو بايدن، بهدف إرساء هدنة وليس اتفاقاً مستداماً تحت مظلة القرار 1701.
“المرحلة المقبلة لم تعد تحتمل بقاء الوضع الداخلي على ما كان عليه، ولم يعد مقبولاً التغاضي عن تنفيذ اتفاق الطائف أولاً، والقرار الدولي 1701 ثانياً، لأن الثمن الذي يدفعه كل لبنان جراء الإعتداءات، هو الحافز نحو اللبننة اليوم ومن دون أي تأخير، لأن هذه اللبننة هي التي تحقِّق المصلحة الوطنية العليا وتنقذ لبنان من العدو الإسرائيلي”. هذا ما يقوله وزير سابق على تماس مع الإتصالات الجارية في الأروقة الأوروبية، والتي شارك في قسم منها هوكستين، إذ يرى أن خارطة طريق الإنقاذ تمرّ عبر الطائف الذي دفع ثمنه لبنان الكثير من الشهداء والدمار، وليست هناك من حاجة لتكرار هذا المسار اليوم، كما تدعو إليه أصوات عدة لا تضع المصلحة اللبنانية في مرتبة متقدمة على مصالح دول أخرى في الإقليم.
وإن كان الوزير السابق لم يسمِ الدول الأخرى التي تفرض مصلحتها على مصلحة اللبنانيين، فهو يجزم بأن ممارسة السيادة في الإستحقاقات الدستورية، هو الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل، ولكنها ستلي طبعاً استكمال جهود التهدئة التي من المفترض أن تتضح مؤشراتها في الأيام القليلة المقبلة.
لكن مسار التهدئة ينتظر ما ستؤول إليه المفاوضات الديبلوماسية، في ضوء معلومات متداولة عن رفضٍ في بيروت لبعض ما حمله الوسيط الأميركي، وعن موقف لبناني واضح تمّ إبلاغه له، وبالتالي ترقّب ما سيعود به بعد محادثاته الأخيرة، والتي تندرج في سياق المسعى الأميركي الناشط على جبهتي غزة ولبنان.
وبحسب هذه المعلومات، فإن مفاوضات الدوحة حول غزة تتزامن مع مسعى التهدئة على جبهة لبنان، والذي سيعود ربما الى مضمون المبادرة التي اتفق عليها بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية حول هدنة ال21 يوماً، والتي رفضتها إسرائيل في السابق وترفضها اليوم، خصوصاً بعد كل التطورات الأخيرة، كونها تعتبر أن ما من ضمانات لتطبيق أي قرار دولي .
ومن المعلوم أن لبنان هو الساحة الأكثر تأثراً بما يجري في الإقليم، وأي جو إيجابي جديد فيه سينعكس أيجاباً على لبنان، لكن الأهم، وهو ما يتخوّف منه مطّلعون، أن يكون هناك تسويات على حساب لبنان، بمعنى أنه بعد التدمير الإسرائيلي الممنهج وعدد الشهداء الكبير، لن يكون مقبولاً أن تكون التهدئة غير مستندة إلى ركائز تجعلها مستدامة، وهي تبدأ باستعادة الدولة اللبنانية والمؤسسات الرسمية لدورها، من خلال تنفيذ القرار 1701 وانتخاب رئيس الجمهورية، وهذه ليست مهمة هوكستين أو الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، أو حتى أعضاء اللجنة الخماسية من الدول العربية.
وعلى عكس الإنطباع السائد بأن لبنان متروك، فإن المطلعين يعتبرون أنه من المفيد الإشارة هنا إلى أن لبنان تلقى دعماً دولياً مع تعهدات في مؤتمر باريس، بمعنى أن هناك أهتمام دولي لإنقاذ لبنان، لكن المشكلة هي في الداخل اللبناني، مع استمرار تأجيل انتخاب الرئيس، وبالتالي تأخير قيام الدولة الفعلية.
المصدر: ليبانون ديبايت