“بلاد ما بين النارين” مرشّحة لفصول أكثر مأسوية

“بلاد ما بين النارين” مرشّحة لفصول أكثر مأسوية

على مرمى العين من الثلاثاء الأميركي الصاخب الذي يحبس أنفاسَ العالم، بدا لبنان والمنطقةُ في أقصى وضعية معاندةٍ لجاذبية السقوط في بركان النار الذي مازال على تَفَجُّره منذ أن كان «طوفان الأقصى».

فبين نتائج السِباق «على المنخار» الذي يخوضه دونالد ترامب وكامالا هاريس، و«حرب لبنان الثالثة» التي أُشعلَ «برميلُ بارودها» في 8 أكتوبر من «فتيل» حرب غزة، و«دقّ النفير» على جبهة إيران – إسرائيل ومعها الولايات المتحدة، لم يكن ممكناً تَلَمُّس الاتجاه الذي قد تسلكه المنطقة بأسْرها، وسط مؤشراتٍ إلى تَحَسُّبٍ في أكثر من عاصمة لفترة مديدة من الإقامة في النفق القاتم، خصوصاً في ضوء الأهداف الـ «ماكرو» لمواجهاتٍ بات شبه محسوم أنه سيَخرج من تحت ركامها نظام إقليمي جديد يتشكّل «بالحديد والنار».
ولبنان الذي صار أشْبه بـ «بلاد ما بين النارين»، واحدة مستعرة منذ فتْح الحزب «جبهة الإسناد» لغزة وثانية «يُلوَّح» بها داخلياً تحت عنوان «إبقاء القديم على قدمه» في «كعكةِ» النفوذ السياسي التي للحزب الحصة الأكبر فيها – وبمعزل عن مآلات الحرب العسكرية – وإلا «الصِدام الأهلي»، أصبحت آفاقُ الحرب والحلّ فيه مربوطةً حُكْماً بعنصريْن متداخليْن ولكن أحدهما يمكن أن «يعطّل» الثاني:

– الأول ساعة «البيت الأبيض»، وهل تكمل عقاربَها من حيث توقّفت مع جو بايدن، بحال فازت هاريس، أم تعود إلى فترة 2017 – 2021 إذا انتصر ترامب، في ظلّ اقتناعٍ بأنّ «تمديدَ» ولاية الرئيس الحالي ضمنياً عبر نائبته يمكن أن يساهم في جَعْل بنيامين نتنياهو يوقف «الدوسَ على بنزين» الحرب في وقت أسرع منه لو نجح الرئيس السابق في الإمساك مجدداً بمقاليد الحُكْم.

– والثاني «الملاكمة الكلامية» بمكبرات الصوت بين إسرائيل وإيران، والتي يُخشى أن يصحّ معها أن «أول الحرب كلام»، في ضوء إشاراتٍ إلى أنّ طهران تقترب من الردّ على الهجوم الإسرائيلي الأخير عليها، مع توقف أوساط سياسية عند الكلام العالي النبرة للمرشد السيد علي خامنئي تجاه كل من تل أبيب وواشنطن وإعلانه «من المؤكد أن إسرائيل والولايات المتحدة ستتلقيان رداً ساحقاً على ما تفعلانه بإيران وجبهة المقاومة (…) والمسألة ليست قضيّة انتقام فحسب، بل هي تحرّك منطقي لمواجهة الاستكبار العالمي (…) ونحن نبذل كل ما في وسعنا لضمان استعداد الشعب الإيراني لمواجهة الاستكبار، سواء من الناحية العسكرية أو التسليحية أو السياسية».

وفي وقت كانت معادلات ردعٍ تُرسم حول أي ضربة من إيران، سواء من أراضيها أو من العراق، وهو ما عبّر عنه ما نُقل عن مسؤول أميركي من أن بلاده حذرت طهران من «أنها لن تكون قادرة على كبح إسرائيل إذا هوجمت مجدداً» وأن تل أبيب «يمكن أن ترد حتى لو جاء الهجوم الإيراني من الأراضي العراقية»، قبل أن يوجّه البنتاغون أقوى رسالة بإرسال مجموعة قاذفات من طراز «بي – 52»، وسرب من المقاتلات، وطائرات التزود بالوقود، ومدمرات بحرية إلى المنطقة، فإنّ لبنان بدا معنياً بهذه المواجهة التي يتم التعاطي معها على أنها تعبيرٌ عن اتجاهين متعاكسيْن باتا يتجاذبان حرب إسرائيل – «الحزب».

الأول صار متداولاً في الكواليس عن أن طهران لن تكون في وارد التساهل مع أي إمعانٍ في الحرب على الحزب والتي لم يعُد خافياً أن هدفها العميق تقويض قدراته العسكرية ونفوذه السياسي، وأن طهران التي لم تتوانَ عن رفْد النظام السوري بالدعم اللازم (بعد 2011) كي لا يَسقط وينقطع تالياً قوس نفوذها المترامي وصولاً إلى لبنان، لن تكون في وارد التسليم بترْكِ التنظيم الذي ساهمتْ في إنشائه وتمويله وتسليحه على مدى أكثر من 4 عقود «لقمة سائغة» وبرسم «التصفية»، إن لم يكن عسكرياً فعبر المسار الرديف (السياسي).

والثاني تزايُد المؤشرات إلى أن ثمة قراراً كبيراً (بخلفية دولية) بات يتحكّم بالمواجهة مع طهران، على قاعدة «إعادة إيران إلى إيران»، وهو ما يفسّر عملية ضرب الأذرع ولا سيما «الرئيسية» أي «الحزب»، ومن دون إمكان الجزم هل يبقى ذلك عند هذه الحدود أم يندفع نتنياهو نحو ما يوصف في إسرائيل بـ «رأس الأخطبوط»، الأمر الذي يعكس من جانب آخَر حجم التعقيداتِ المتشابكة و«الخط الدفاعي الهجومي» الذي باتت طهران تقف عنده.

إلغاء رحلات جوية أميركية

وفي حين استوقف الأوساط السياسية إلغاء الخطوط الجوية الأميركية رحلاتها إلى إسرائيل حتى نهاية صيف 2025 باعتباره من إشاراتِ مكوثٍ طويل للمنطقة في «فضاء الحرب»، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن «الهجوم البري على لبنان سيستمر ما دامت هناك حاجة إليه».

وبينما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من «أن أولويتنا التنفيذ الكامل للقرار 1701» وعن رئيس البرلمان نبيه بري «أريد وقف النار أمس واليوم وغداً»، اشتعل الميدان مع تكثيف إسرائيل غاراتها المدمّرة على بلدة دورس، ومدينة بعلبك التي كرر جيشها مطالبة أبنائها بإخلائها، وعلى الجنوب حيث تركّزت الاستهدافات على بلدة تبنين ومحيط المستشفى الحكومي، كما شنت مسيّرة غارة على حديقة صور بالقرب من استراحة صور.

كذلك نفذ الطيران الحربي غارة على الغازية (صيدا) وعلى حارة صيدا حيث سقط ثلاثة أشخاص وأصيب 9، في حصيلة أولية.

ونقل الصليب الأحمر اللبناني، 5 جثث من وطى الخيام التي كان دخلها الجيش الإسرائيلي قبل أيام، مع فقدان الاتصال بـ 21 شخصاً كانوا ما زالوا فيها، على أن يستكمل مهمته لانتشال الجثامين الباقية اليوم وسط معلومات عن 16 ضحية تحت الأنقاض.

في المقابل، شنّ «الحزب» سلسلة عمليات ضد تجمعات عسكرية في عدد من المستوطنات وقاعدة زوفولون للصناعات العسكرية ‏شمال حيفا، وأكثر من مستعمرة في الشمال، وصولاً إلى حيفا حيث تحدثت تقارير عن سقوط 5 جرحى.

تَعَقُّب «لغز» القبطان… 10 شرائح هاتفية أجنبية و4 جوازات سفر

وسط طغيان حَدَث الإنزال البرمائي الذي قامت به وحدة كوماندوس إسرائيلية في منطقة البترون وخطْف عماد أمهز، بزعم أنه مسؤول في الوحدة البحرية لـ «الحزب» وكنز معلومات لتل أبيب، تقاطعت المعلومات أمس، عند العثور على جوازيْ سفر أجنبييْن لأمهز داخل الشاليه الذي كان يستأجره (لم تكشف الأجهزة الأمنية لأي بلدين يعودان) إلى جانب الجواز اللبناني والبحري، إضافة إلى عشر شرائح لخطوط أجنبية sim card.

وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه تم التخطيط لعملية الكوماندوس شمال لبنان منذ فترة طويلة، بانتظار الفرصة العملياتية والاستخباراتية لتنفيذها بنجاح.

وتابعت «في النهاية، نُفذت العملية بدقة من دون أي أحداث استثنائية أو مقاومة… لم يحدث اشتباك مع مسلحين، كما أن المعتقل لم يُبدِ أي مقاومة واستسلم للمقاتلين».

وبحسب الإذاعة، لم يكن الجيش يعتزم تحمل المسؤولية عن العملية، و«لو لم تُنشر في وسائل الإعلام اللبنانية، لكانت بقيت سرية»، مشيرة إلى «أن المجال البحري في الحزب سري للغاية، وعدد قليل جداً من الأشخاص يعملون فيه ضمن التنظيم ويخضع لتدابير أمنية مشددة، ولذلك فإن اعتقال شخصية بارزة في المجال البحري يعد إنجازاً ذا قيمة استخباراتية عالية».

وفيما تحدثت صحيفة «معاريف» عن نقل الضابط رفيع المستوى في الوحدة البحرية التابعة للحزب، للتحقيق في الوحدة 504 التابعة لجهاز «أمان»، وأن «الوحدة البحرية للحزب تُعد ذراعاً إستراتيجية يهدد المصالح البحرية الإسرائيلية ومن المتوقع أن يؤدي اعتقال أمهز لتعطيل أنشطة الوحدة البحرية التابعة للحزب بشكل كبير وتوفير معلومات استخباراتية حيوية»، أطلّ والد أمهز نافياً ما ذُكر عن ابنه، ومؤكداً أنه «قبطان بحري مدني وكان يخضع لدورة في البترون في معهد مرساتي للعلوم البحرية، وليست الأولى فهو خضع لدورات عدة في المعهد نفسه منذ العام 2013. وهو يعمل عادة على بواخر مدنية، تنقل إما المواشي أو السيارات ويمضي أكثر أوقاته في البحر وليس له أي علاقة بالأحزاب ولا يتدخل بالسياسة، وكل ما تتناقله وسائل الإعلام عن خطوط الهواتف التي عُثر عليها معه، فهي لأنه يشتري شريحة في كل بلد يصل إليه ليتواصل مع زوجته وأولاده ووالدته وهو أبٌ لثلاثة أولاد».

وأضاف «للتوضيح، فإن جواز السفر البحري يستعمله لدخول البلدان من جهة البحر وعندما ينتهي عقد عمله على أي باخرة يسلمها ويعود إلى لبنان بالطائرة على جواز السفر العادي».

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تابع التحقيقات في ملابسات القضية، وأجرى اتصالا بقيادة «اليونيفيل» التي أكدت انها تجري التحقيقات اللازمة، قبل أن يطلب تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن.

المصدر: الراي الكويتية