ما من جهة ستمنح قرشاً لبناء ما تهدّم إلاّ إذا..

ما من جهة ستمنح قرشاً لبناء ما تهدّم إلاّ إذا..

لا يكتمل الحديث عن اليوم التالي سياسياً للعدوان الإسرائيلي على لبنان، من دون الإضاءة على الوضع الإقتصادي الذي يراكم الإنهيارات في قطاعاته كافةً بعدما وصل الإقتصاد إلى هوة سحيقة، وهو ما يتطلب مواجهةً فاعلة على كل المستويات السياسية والإقتصادية الرسمية، من خلال خلية أزمة تسابق الوقت وتحضر خطةً للإعمار ومعالجة كل الأزمات المالية والإقتصادية وفي مقدمها أزمة النزوح. وهنا تكشف الباحثة الإقتصادية فيوليت غزال بلعة، عن مأزق إقتصادي خطير ينتظر لبنان في اليوم التالي للحرب، وتؤكد أن معالجته تستوجب توافر عوامل ثلاث هي، مؤسسات رسمية وسلطات ثلاث منتظمة، ومجهود رسمي جدي لاستعادة الثقة وصدور إعفاءات ضريبية للشركات والمؤسسات التي تشكل 90 بالمئة من الإقتصاد اللبناني وهي اليوم تقف على حافة الإفلاس.

وتؤكد الباحثة بلعة في حديثٍ ل”ليبانون ديبايت” أن حكومة تصريف الأعمال، أمام امتحان الإعداد لمرحلة ما بعد الحرب، خصوصاً في حال استمر الشغور الرئاسي، حيث أنها السلطة التنفيذية التي ستقوم بوضع برنامج الإعمار، مع العلم أن “المقدمة للوصول إلى تنفيذ أي برنامج أو خطة حكومية للعبور إلى استعادة انتظام الإقتصاد، هي استعادة الثقة المحلية والخارجية بالمؤسسات الدستورية وبشفافية وكفاءة عملها وطبعاً إنتاجيتها”.

وعن تداعيات الحرب، توضح بلعة أن “كل الأضرار التي يجري الحديث عنها اليوم لا تزال آنية لأن الحرب مستمرة وكذلك انعكاساتها وحجم خسائرها وكلفتها، ولذلك فإن أي موازنة تضعها الحكومة في الفترة الحالية لن تكون واقعية، وبشكل خاص على مستوى الأموال المخصصة للنزوح على سبيل المثال، حيث أن عدد النازحين غير ثابت في ظل استمرار العدوان، وبالتالي فإن أي تقديرات لحجم الخسائر أو لكلفة الرعاية والإهتمام بملف النزوح غير ممكنة خصوصاً وأن أرقامها مرشحة للإرتفاع، وذلك بالنظر إلى تجربة غزة”.
وتركز بلعة على أن “طريقة تعاطي الحكومة مع عملية إعادة الإعمار، تستدعي توافر عوامل سياسية بالتزامن مع العوامل المادية، نظراً للترابط الوثيق بين السياسة والإقتصاد”، مشيرةً إلى أن “ثمناً سياسياً” سيتمّ دفعه قبل أي خطوة في هذا الإتجاه، وهو يكون عبر استعادة الثقة الدولية بلبنان، وذلك بعدما بات “منزوع الثقة” بعد إدراجه على لائحة الدول الرمادية واتهامه بتشجيع بيئة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

ومن أبرز شروط الخروج من اللائحة الرمادية، فتحددها بلعة، بمضاعفة الجهود والإجراءات الرسمية في الإقتصاد من أجل “إقناع المجتمع الدولي بأن لبنان قد اتخذ إجراءات وشرّع قوانين مالية تؤدي إلى مكافحة الإقتصاد النقدي بالدرجة الأولى، مع العلم أنه من غير الممكن اليوم منع الإقتصاد النقدي في ظل غياب البديل كون النظام المصرفي لا يمارس دوره بالكامل بعد أزمة العام 2019.”

وعن خارطة الطريق المطلوبة من أجل الإعداد لليوم التالي إقتصادياً ومالياً وإنمائياً، تتحدث بلعة عن ضرورة التحضير لمؤتمر يؤمن كلفة إعادة إعمار لبنان، لأن مؤتمر باريس خصص مليار دولار لهذه العملية ولكن هذا المبلغ محدود ولم يحصل عليه لبنان بعد.

ولكن شروط انعقاد أي مؤتمر دعم، تُضيف بلعة، لا تتأمن في حال استمر التعاطي الرسمي الحالي مع كل شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول المانحة بالنسبة للإصلاح، لأن تنفيذ الإصلاحات يحقق استعادة الثقة، فقد سبق وخسر لبنان 11 ملياراً من مؤتمر باريس 4 بسبب رفض السلطة تنفيذ الإصلاحات التي تصبّ في مصلحة لبنان وشعبه بالدرجة الأولى، كونها تحقق الشفافية المطلوبة من أجل تمويل عملية الإعمار.

وفي هذا السياق، تعتبر بلعة أن المساعدات الإنسانية والغذائية من الدول الغربية والعربية للبنان هي “اختبار” لقدرة الحكومة والمؤسسات على التعاطي بكفاءة وشفافية وجدارة ومهنية مع ملف المساعدات والدعم الخارجي، ذلك أنه منذ العام 2019 تراجع مستوى الثقة الخارجية بالمؤسسات اللبنانية وزادت نسبة الشكوك بشفافية عملها وأدائها.
لكن الثابت، وفق بلعة، هو أنه “لا يجب انتظار نهاية الحرب للبدء بوضع الخطط الإقتصادية لليوم التالي، لأن التدمير والهدم يحصلان بسرعة بينما إعادة الإعمار والبناء يتطلبان سنوات عديدة، ويبدأ البناء عبر استعادة الثقة بلبنان بعد سنوات من الثقة المفقودة بالنقد الوطني وبالأداء السياسي وبأداء الوزارات الأساسية، وفي غياب الجهود لإظهار الإنتظام الحياة الإقتصادية في البلاد فما من جهة أو مؤسسة دولية ستمنح لبنان قرشاً واحداً لإعادة الإعمار بعد الحرب”.

المصدر: ليبانون ديبايت