“التمديد” ولو على حساب الجيش!

“التمديد” ولو على حساب الجيش!

أمسى رئيس مجلس النواب نبيه بري عالماً بمضمون اقتراح “القوات اللبنانية” بشأن التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون لمدة عام للمرة الثانية على التوالي. إطلع عليه، قرأه وفنّده، ثم “طب” الإقتراح. في هذه الأثناء يتحضّر نواب كتلة “الإعتدال الوطني” لتقديم اقتراح يأتي في السياق نفسه، لكن في مقدوره أن يُهندس، شيئاً ما، الإعوجاج الظاهر في اقتراح القوات “غير المفهوم” ما إذا كان يخدم عون أو يضرّه.

يرمي اقتراح “الإعتدال” إلى ضمّ كل قادة الأجهزة الأمنية ممن يحملون رتبة عميد ومنحهم تمديداً لمدة عام خلافاً لاقتراح “القوات” المحصور برتبتي عماد ولواء. مدعاة الإقتراح على ما يظهر ، ضمّ الموقع السُني الذي يشغله المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. في زحمة القوانين، تحضر كتلة “اللقاء الديمقراطي” من بوابة تقديم مشروع قانون أوسع نطاقاً يحظى بالشمولية ويمنح زيادة لجميع الضباط والرتباء والعناصر بمقدار عامين إضافيين عبر رفع سن التقاعد.

المفارقة في كل ما يجري أن لا أحد يأخذ برأي وزير الدفاع موريس سليم بصفته المعني مباشرةً بوضعية قيادة الجيش وتصوراتها المستقبلية، كما لا يناقشه أحد أو يسأله عما يدور أو يجري. يصبح شاهداً على حالة شاذة من غير أن يكون طرفاً متدخلاً فيها. يسمع عبارات وأقاويل من هنا وهناك، وترد إليه مضامين ومعطيات حول ما يتم بحثه أو تداوله، لا بل إن حدّ التجاوز بلغ بقائد الجيش المُرسي لهذه القاعدة، أن يحمل خططه للوضع الراهن وملف تحقيقاته في حادثة إنزال البترون و “يبرم” فيها على السراي الحكومي وعين التينة من دون علم رئيسه أو اطلاعه.

لدى سؤال متدخلين في الوضعية الراهنة لقيادة الجيش تعليقاً على ما يجري يجيبون: “قد تبدو الأمور مكتملة العناصر من حيث سهولة إمرار التمديد للمرة الثانية، لكن قد يكون الأمر مخادعاً بعض الشيء. على الأقل ما زلنا في حالة التباس، وقد لا تبدو الأمور مهيأة بعد لتحقيق التمديد، وهناك مقترحات وأفكار من المبكر تداولها ومن غير الجيد تجاهلها على أهميتها وما تتضمنه من حلول”.

موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري يفصح عن بعض الإلتباس. في تعليقه على وضعية قيادة الجيش واحتمالات التمديد، يقول بري إنه لا يعلم ما إذا كان نواب حركة “أمل” سوف يشاركون في جلسة نيابية يدعو إليها. ما يريد بري قوله أو إيصاله على شكل رسالة “ساخنة” أنه لم يصدر عنه موقف أو توجيه إلى نوابه للعمل بموجبه.
يجعل هذا التصريح من الأمر محل رسالة واضحة من أن بري غير راضٍ لما آلت إليه أمور الجيش لغاية الآن، بخاصة تصرّفات قيادته وبعض ألويته وضباطه، علماً أن بري بات محاطاً بوضعية شاملة عن تصرفات القيادة منذ دخول لبنان مرحلة التصعيد والعدوان الإسرائيلي الشامل وحتى ما سبقه. أضف إلى ذلك أن من يلتقون دورياً برئيس المجلس، يشيرون إلى أن بري ليس مع حصر الحلول في قيادة الجيش إنما توسيع نطاقها. لكنه في نفس الوقت ضد إحداث حالة فراغ في المؤسسة العسكرية ربطاً بالعيب القانوني الذي يشوب وضعية رئيس الأركان.

“الحزب” بدوره غير بعيد عن أجواء رئيس المجلس. توسيع نطاق العدوان غيّر الكثير في موقف الحزب. ما كان يُسمع سابقاً حول قائد الجيش ودوره تغيّر وتبدل مع التبدل والتغيير الطارئ داخل الحزب، بحيث لم يعد هناك من مكان للدبلوماسية. هذا الجانب لا بدّ أن يكون له تأثير على المسار السياسي الراهن. لغاية هذه اللحظة لا أحد يضمن مشاركة كل أعضاء كتلة “الوفاء للمقاومة” في أي جلسة عامة يدعو إليها رئيس المجلس للتصويت على اقتراحات قوانين من ضمنها موضوع التمديد، ببساطة لأن أعضاءها مهددون جسدياً وفيهم من هو ملاحق فعلاً من قبل إسرائيل، شأنهم شأن نواب تكتل “لبنان القوي” الرافضين لأي فكرة تمنح تمديداً ثانياً لجوزاف عون.

من بقي هم نواب كتل القوات والكتائب واللقاء الديمقراطي والإعتدال، ونواب التغيير والمستقلون والخارجون من رحم التيار. هؤلاء، بحسبة رقمية بسيطة، باستطاعتهم السير بعون إلى تمديد ثانٍ. مع ذلك يبقى الباب مفتوحاً على الإلتباس. هل يقبل رئيس المجلس تمرير تمديد لا يغطيه الشيعة؟ أو هل يقبل عون أن يتحول قائداً للجيش فاقداً للمناعة الوطنية؟
ينقلنا هذا الملف إلى احتمالية ما تزال متوفرة أو عملياً ما يزال الوصول إليها ممكناً وتكاد تكون أكثر واقعية من غيرها، تتصل باحتمالية التعيين في قيادة الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى عبر جلسة لمجلس الوزراء وباقتراح من وزير الدفاع الذي لا يخفي أنه سبق له أن “دار” على المرجعيات مسوّقاً للفكرة، وإن باستطاعته فعلها مرة أخرى.

صحيح أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يريد إبعاد هذه الكأس عنه بما في ذلك توليه مسألة إقرار التمديد و “يكشها” بعيداً ويرميها في حضن المجلس، لكن في الحقيقة يعتبر الطرف الأساسي المسؤول عن حل هذه المعضلة، وهو يكرر قوله الدائم في أكثر من مناسبة وزمان ومكان من أنه “ضد تغيير الضباط زمن الحرب”. لكنه في نفس الموضع، يرفض الإجابة عن سؤال واقعي: ماذا لو استشهد القائد اثناء الحرب. يتخلى عن دوره بدافع تحصين أي تمديد لعون، لعلمه بموقف وزير الدفاع الرامي إلى الطعن بأي قرار يتخذ على هذا الصعيد في مجلس الوزراء.

يأخذنا هذا الكلام إلى احتمال متوفر في مقترحات أو خطط وزير الدفاع، الذي عبّر ويعبّر عن استعداد للسير في تغيير على صعيد قيادة الجيش، ليس من منطلق التشفي او الثأر من عون على أدائه السيء في حقه وفي حق جميع من مرّ على وزارة الدفاع، إنما من منطلق تغييري يؤدي إلى إراحة الجيش وإعادة الإستقرار إلى صف قيادة وضباطه وإرساء معادلة قوامها القدرة على تحقيق تغييرات في الدولة.

في الواقع إن من يقف ضد هذا الإحتمال، هي مجموعة تتألف من قوى سياسية وأخرى تتموضع في داخل قيادة الجيش. القاسم المشترك بين هؤلاء، تلقيهم الدعم من سفارات على رأسها الأميركية. يفضل هؤلاء إبقاء العلّة قائمة من دون الأخذ بتأثيراتها السلبية الطويلة الأمد على الجيش كمؤسسة، لمصلحة واحدة لا غير، إبقاء احتمالات انتخاب عون رئيساً للجمهورية قائمة، مهم كلف الأمر ولو أدى ذلك إلى ضرب الجيش!

المصدر: عبدالله قمح- ليبانون ديبايت