هل يحمل هوكشتاين “خلطة سحرية” لوقف الحرب؟

هل يحمل هوكشتاين “خلطة سحرية” لوقف الحرب؟

عندما يكون المدفع “شغّالًا” تتعطل لغة الحوار. وعندما تُراق الدماء يوميًا على مذبح الوطن لا يُطلب من أهل الضحية المسامحة والغفران. وعندما يكون المصير على المحكّ لا تعود تنفع الوساطات غير العادلة وغير المتكافئة وغير الواقعية وغير “السحرية”. وعندما توجّه النصائح إلى الذين يرون أن ما بنوه على مدى سنين طويلة ينهار أمام أعينهم برمشة عين بضرورة التروي والتعاطي مع المعطيات الميدانية بواقعية لا يمكن توقّع أن يصدر عنهم مواقف غير تلك التي يسمعها اللبنانيون كل يوم وقد امتلأت شاشات التلفزة بالمحللين والمنظّرين، الذين ينتمون إلى محوري “المعارضة” و”الممانعة”، وكلٌ منهم يغنّي على ليلاه، فيما الحقيقة غائبة أو مغيّبة لكثرة دخان القذائف الصاروخية الذي يغطي سماء لبنان، من جنوبه إلى بقاعه وضاحيته الجنوبية، والذي يعمي البصر والبصيرة، فتصبح الرؤية مشوشة وغير واضحة المعالم.

وقد تبدو مواقف البعض بعيدة عن الواقع الميداني المغاير لمحاولات التلطي وراء ما يُعتبر تمويها للحقائق أو تشويه مضامينها، مع الإصرار على عدم رؤية ما يمكن أن يحّل بلبنان من كوارث تتعاظم وتتراكم مع كل قذيفة تسقط على رؤوس اللبنانيين، الذين لم تكن لديهم الرغبة في الوصول إلى ما وصلوا إليه. فمع انقضاء كل يوم حرب تزداد معاناة لبنان، وتتكاثر هموم اللبنانيين، وتتلبد الغيوم السوداء، التي تنذر بعواصف قد لا تُبقي حجرًا على حجر، وقد تطيح بكل مبادرات الربع الساعة الأخير، التي تحاول الإدارة الأميركية بنسختها “الديمقراطية” القيام بها قبل تسليم مقاليد الحكم إلى الإدارة “الجمهورية” في الفترة الفاصلة، والتي تُعتبر بالمفهوم الإداري الأميركي الداخلي الحصري “فترة ميتة”، من حيث فاعلية ما يمكن أن يُتخذ من قرارات وإجراءات داخلية أو خارجية، وهي في حكم تصريف الأعمال.

وعلى رغم تسليم الجميع بهذا الواقع الأميركي فإن ثمة معلومات تشير إلى أن موفد الرئيس جو بايدن إلى المنطقة آموس هوكشتاين سيعود إلى تل أبيب في محاولة أخيرة لإيجاد تسوية مغايرة لما تضمنتّه “المسودّة الإسرائيلية” من أفكار لا “تركب على قوس قزح”، ولا يمكن لعاقل أن يقبل بها مهما كانت ظروف الميدان ضاغطة وحرجة.
وفي المعلومات غير الرسمية والمستقاة من تجارب سابقة فإن ما يمكن أن يطرحه هوكشتاين في زيارته المرتقبة وغير المؤكدة حتى الآن، هو “خلطة سحرية” يمكن أن تجمع ما بين القرار 1701 وبعض بنود الهدنة الموقعة بين لبنان وإسر

ائيل في 23 آذار من العام1949 في رأس الناقورة، وبين القرار 1559 وما ورد في وثيقة اتفاق الطائف لجهة بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها من دون أن يشاركها أحد في تحمّل مسؤولية قرار الحرب والسلم.
فما جاء في المادة الأولى والمادة الثالثة من اتفاقية الهدنة قد يصلح لأن يكون أرضية صالحة للانطلاق منها نحو تسوية شاملة. فقد جاء في المادة الأولى: يتعهد الجانبان اللبناني والإسرائيلي من الآن فصاعداً بالتقيد بدقة بالأمر الصادر عن مجلس الأمن بعدم اللجوء إلى القوة العسكرية لتسوية قضية فلسطين، وبامتناع الجانبين عن اتخاذ أي عمل عدائي ضد شعب الجانب الآخر أو قواته، أو إعداد مثل هذا العمل أو التهديد به. كما تنص على أن يُحترَم احتراما كاملا حق كل طرف في أمنه وحريته من الخوف من هجوم تشنه عليه قوات الجانب الآخر المسلحة.
أمّا ما جاء في المادة الثالثة فهو مكّمل للمادة الأولى، وفيها أن الجانبين يتعهدان بألا يرتكب أي عنصر من القوات البرية أو البحرية أو الجوية العسكرية لكل منهما – بما فيها القوات غير النظامية (وهذا اعتراف بوجود قوات غير نظامية)- عملا من الأعمال الشبيهة بالأعمال الحربية أو عملا عدوانيا ضد قوات الجانب الآخر، أو ضد المدنيين في الأراضي الخاضعة للجانب الآخر، أو يعبر أو يتخطى -لأي سبب من الأسباب- خط الحدود في إطار الهدنة الدائمة، كما هو مبين في المادة الخامسة، أو يدخل المجال الجوي للطرف الآخر، أو يمر عبره أو يدخل أو يمر عبر المياه على مسافة ثلاثة أميال من ساحل الجانب الآخر.
فهذه “الخلطة” وما فيها من سحر كفيلة بوقف الحرب وعدم العودة إليها تحت أي ظرف، خصوصًا أن لبنان لم يكن مهيأ لها ولا يريدها، وقد دفع ثمن توريطه بها أثمانًا باهظة.

Exit mobile version