تفاوض تحت النار… وخلاف حول لجنة المراقبة

تفاوض تحت النار… وخلاف حول لجنة المراقبة

يترافق التفاوض غير المباشر بين إسرائيل والجانب الرسمي اللبناني الممثل برئيس مجلس النواب نبيه بري عبر الوسيط الأميركي، بزنار نار يلف المناطق اللبنانية وتخوم العاصمة بيروت في الحدود المطلة عليها من الضاحية الجنوبية، وصولا إلى الجبهات في البلدات والقرى الحدودية، مع جهد لافت للجيش الإسرائيلي لإحداث خرق ملموس على الأرض، بدت ملامحه طوال بعد ظهر الجمعة وفي ساعات العصر والمساء من بلدة شمع قضاء صور، والمطلة تلتها الاستراتيجية على الطريق الساحلي من الناقورة إلى صور.

لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من تثبيت نقطة له في بلدة شمع ومقام النبي شمعون الصفا، وانكفأ إلى جمجيم في محيط طيرحرفا، لكنه قام بعملية التفاف من قرى لا يتواجد فيها مقاتلو الحزب. وقد فخخ الجيش الإسرائيلي وفجّر مقام النبي شمعون الصفا ومنازل مجاورة بعد انسحابه من بلدة شمع. وجدد الجيش الإسرائيلي أمس محاولة التوغل إلى أطراف شمع المتصلة بطيرحرفا.

واستخدم الجيش الإسرائيلي كافة الأسلحة، ورمى بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الذكية على الضاحية الجنوبية، وتحديدا الغبيري والمريجة، إلى استهداف أطراف الحدث، وترويع السكان في القسم الثاني من العاصمة بيروت، في مناطق حرج بيروت وقصقص وشاتيلا وصولا إلى البربير.

تفاوض تحت النار لخص نتائجه الرئيس بري بالقول أمام زواره أثناء ممارسته رياضة المشي اليومية في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين «نتنياهو لا يعرف مع من يتعامل، وهذه الأمور لا تمشي معنا»، مشيرا إلى جهة عادة نتنياهو بالضغط للحصول على مطالبه.

ولا يختلف اثنان على أن لبنان الرسمي لن يرضخ لشروط إسرائيل لوقف للنار يبدو سابقا لأوانه، على رغم محاولات الكثيرين دوليا وإقليميا ومحليا إشاعة أجواء إيجابية في هذا الخصوص.

ويدرك الجميع أن التفاوض سيتم على نار مستعرة، قد يؤدي تأجيجها إلى تطورات عسكرية دراماتيكية.

وكشف مرجع أمني رسمي لبناني رفيع المستوى لـ«الأنباء» عدم «وجود شيء رسمي في حوزتنا حول آلية لوقف القتال». وتابع: «نسمع مثل غيرنا عن وساطات وجهود تبذل، لكننا نحكم على وقائع تتوافر بين أيدينا». وأشار إلى عدم تلقي تقارير دقيقة من مناطق ميدانية على الجبهات يغيب عنها الجيش اللبناني لدواع عسكرية أمنية، في وقت تقوم الوحدات العسكرية بتعزيز صمود الأهالي بتأمين مقومات الحياة لهم من مواد غذائية وطبية وخدمات إغاثية، مع العمل المستمر على فتح الطرق الداخلية.

في حين شكا مصدر أمني لبناني غير رسمي «من صعوبة العمل في بعض مناطق المواجهة، نتيجة عوامل لا تسهل شغل المقاومة على الأرض لأسباب معروفة».

في أي حال تستمر الجهود في سبيل وضع اتفاق وقف إطلاق النار على سكة الحل، على رغم كل الطروحات المطلوبة إسرائيليا والمرفوضة لبنانيا وما يرافقها من مواقف وتصريحات.

وقال مصدر مقرب من «الثنائي الشيعي» لـ «الأنباء»: «يبدو ان انضاج الحل يحتاج إلى مزيد من النقاش وتدوير الزوايا، والمؤهل للقيام بهذه المهمة هو الموفد الأميركي أموس هوكستين الذي ينتظر الرد اللبناني على ورقة المقترح الأميركية التي سلمتها السفيرة ليزا جونسون إلى الرئيس بري يوم الخميس الماضي. ويتوقع ان يكون هذا الرد اليوم او غدا الاثنين، بعد الأيام الثلاثة التي طلبها لبنان لدراسة بنود الورقة مع الحزب».

وعلى رغم التكتم وعدم كشف بنود الوثيقة للحفاظ على سريتها حرصا على نجاحها، إلّا أنّ عناوينها العامة أصبحت متداولة وهي نشر الجيش اللبناني والقوات الدولية «اليونيفيل» لتولي الأمن جنوب الليطاني، وكذلك حصر دخول السلاح او تصنيعه في الدولة اللبنانية. وهذه أمور ثابتة ولا خلاف عليها. لكن تبقى مواضيع خلافية خصوصا لجهة لجنة المراقبة والمرحلة الفاصلة بين وقف النار وعودة الحياة إلى الجنوب وإطلاق ورشة إعادة الاعمار.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الأنباء»: «خلت الورقة الأميركية من الشرط الإسرائيلي بحرية التدخل عند حصول أي خرق، الا ان الخلاف وقع حول لجنة المراقبة، واذ عبر الرئيس بري في إطار الاعلان التفاوضي عن رفض مشاركة حلف شمال الاطلسي في الاشراف على الوضع في الجنوب، مشيرا إلى ان القرار 1701 يضمن آليات رقابة يمكن تفعيلها وتعديلها. وثمة من يدعو إلى إحياء لجنة الرقابة على «تفاهم أبريل» للعام 1996، والتي ضمت الولايات المتحدة وفرنسا، اضافة إلى لبنان و«اليونيفيل». غير ان المصادر ترى: ان هذا الامر من باب التفاوض وقد تجاوزه الزمن بعد التحرير العام 2000».

وأضافت المصادر: «هذه اللجنة مفصلية برأي القوى الراعية للمفاوضات وكثير من القوى الإقليمية، من منطلق انها تشكك بقدرة الجيش اللبناني والقوات الدولية حاليا على ضبط الأمن في الجنوب، لأن الوضع اليوم وما حصل من بنى تحتية عسكرية وتخزين للسلاح في الجنوب لم يكن قائما عام 2006، والموازين العسكرية تغيرت كثيرا، وتاليا فإن صيغة القرار 1701 كما أقرت قبل 18 عاما قد تجاوزتها التطورات».

وتابعت المصادر: «المطروح دوليا ثلاثة خيارات، هي: اما تشكيل لجنة للإشراف على تطبيق القرار وفرض الأمن، او إعطاء الحرية لإسرائيل للتدخل عند حصول أي خرق، أو تعطيل الحل والذهاب إلى مزيد من المجازر والتدمير، وهذا ما قامت به إسرائيل خلال الأيام الخمسة الماضية من غارات على مدار الساعة مع اقتراب هذه الغارات من تخوم العاصمة».

ورأى مصدر متابع آخر لـ «الأنباء» ان «استمرار التمنع اللبناني والاعتراض على اللجنة لن يتأخر، وانه يمكن مناقشة دور الدول المشاركة فيها، وان الاعتراض على مشاركة ألمانيا وبريطانيا يمكن ان يعالج وربما بمشاركة عربية، خصوصا أن الوقت ليس في مصلحة لبنان تحت وطأة التدمير».

وتوقف عند زيارة مستشار المرشد الايراني علي لاريجاني، وسأل: «هل هي صدفة على اعتبار انه معلن عنها قبل وصول الورقة الأميركية إلى عين التينة؟ الا ان اللافت انها تأتي مماثلة لزيارة وزير الخارجية الايراني التي تلت سابقا إعلان موافقة لبنان عبر الرئيسين بري ونجيب ميقاتي والوزير السابق وليد جنبلاط في 2 أكتوبر الماضي على القبول بوقف إطلاق النار ونشر الجيش في الجنوب وانتخاب رئيس توافقي للجمهورية. ثم تلتها زيارة رئيس مجلس الشورى الايراني بعد زيارة الموفد الأميركي هوكشتاين، وقد أثارت سجالا بعد تصريح لمطبوعة فرنسية عن استعداد ايران للتفاوض بشأن القرار 1701».

ورأت أوساط فاعلة لـ «الأنباء» أن لاريجاني «شعر بفتور في الاستقبال منذ ان حط في المطار حتى المغادرة. وقد عبر عن ذلك خلال اللقاء الذي عقده مع الأحزاب المتحالفة مع ايران، بالقول ان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يرفض أي مساعدة إيرانية». وذكرت أن لاريجاني «كان محرجا لجهة الشعور العام في لبنان بأن ايران تخلت عن الحزب وتركته وحيدا في مواجهة إسرائيل، وهو أراد التعبير عن دعم المقاومة وفي الوقت عينه عدم اغضاب الحكومة والسلطات الرسمية».

المصدر: الانباء الكويتية