أسرار على هامش مفاوضات هوكشتاين في بيروت

أسرار على هامش مفاوضات هوكشتاين في بيروت

لم يتبلغ لبنان، رسمياً، أجوبة أميركية حول نتائج زيارة آموس هوكشتاين إلى تل أبيب، أمس، واجتماعه بالمسؤولين الإسرائيليين على رأسهم رئيس الحكومة العدو بنيامين نتنياهو وتسليمه مسودة إتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل معدلة. إنما ما بلّغ بشكل غير رسمي أيضاً، كانت مغادرة هوكشتاين تل أبيب باتجاه باريس ما حمل أكثر من دلالة. حتى “الفريق التقني” الذي عاون الرئيس نبيه بري بصفته المفاوض الرسمي وفتح قنوات تواصل جانبية مع المبعوث الأميركي بطلب رسمي طبعاً، وخاض معه ومع مسؤولين آخرين في السفارة الأميركية ورشة تحسينات وتعديلات على الورقة الأساسية، لم يتلقَ أي إشارات، سواء سلبية أو إيجابية، حيال جولة المباحثات في تل أبيب بين المسؤولين الإسرائيليين وهوكشتاين، مكتفياً باستطلاع ما روّج مساء أمس على وسائل الإعلام العبرية.

بيد أن المعلومات التي حملتها وسائل الإعلام تلك، على قلّتها وندرتها، أوحت بأن الأمور ليست سلبية إلى درجة قد تؤدي إلى تطيير مشروع الإتفاق، وهي علامات تخدم أخرى موجودة أصلاً في عمق عقل المفاوض اللبناني، الذي وضع في باله أن رئيس حكومة العدو، لن “يبيع” هوكشتاين موافقة فورية على ما حمله، وسيراوغ ويتلاعب بدافع شراء مزيد من الوقت، وسيحاول عبر هذا الأسلوب إدخال تعديلات معينة على الصيغة. وعلى هذا الأساس، لم يكن في بال المفاوض اللبناني أن وقفاً لإطلاق النار سوف يتمّ التوصل إليه نهاية الأسبوع الجاري، وحتى أنه لا يضع في باله احتمالات معينة ولو طفيفة للتوصل إلى اتفاق خلال الأسبوع المقبل، بل إن تقدير الموقف الحالي يوحي أن العدو سيطلب مزيداً من التعديلات وبالتالي سيأخذ المزيد من الوقت من دون أن يعني ذلك أن تل أبيب ترغب في نسف المسودة الحالية إنما الانتظار ريثما تتبلور ظروفها، بدليل كلام هوكشتاين في بيروت، الذي أوحى أنه يتلقى دعماً واضحاً من الإدارة الأميركية المنتخبة، وأن تلك الإدارة، على الأرجح، ساهمت في صياغة بعض الأفكار التي ترجمت كبنود مركزية ضمن المسودة.

على هذا الأساس، فإن هوكشتاين لن يعتبر أن اقتراح إدخال مزيد من “التعديلات” على الورقة، له أن يسهم في عملية نسفها ولو أنه سيطيل مدة بلوغ وقف إطلاق النار، وهو كان ألمح قبيل مغادرته بيروت إلى تل أبيب، الى احتمال عودته الى بيروت مجدداً. غير إن ما جرى فى الأمس خالف التوقعات، إذا لما يمكث هوكشتاين في إسرائيل طويلاً وغادر سريعاً خلال المساء الى باريس ويتوقع أن يغادرها نحو واشنطن، ما يعني أن فترة انتظار إبرام التسوية ستطول.

فى هذه السياق لا بدّ من الإشارة إلى أن العدو الذي باشر مرحلةً ثانية من العمليات البرية في الجنوب، يأمل تحقيق بعض المكتسبات لضمّها إلى صيغة التفاوض. على هذا الأساس قد يعتبر نفسه محتاجاً إلى المزيد من الوقت، وبالتالي ليس مستعجلاً بلوغ تسوية معينة، طالما أن القواعد الأولى لهذه التسوية قد رسمت بالفعل وتفاهم الطرفان عليها (اللبناني والإسرائيلي) برعاية أميركية وأن أحداً، على الأرجح، ليس في صدد ضربها، وأن هذه الصيغة سوف تشكّل، في المستقبل، قاعدة البحثالأساسية لأي تسوية.

على هذا الأساس، سيحاول العدو، خلال الفترة المتبقية الحالية ويُعتقد أنها لن تتجاوز الأسبوعين إلى ثلاثة أسابيع على أبعد تقدير، تحقيق اختراقات ميدانية في الجبهة لتعزيز أوراق التفاوض. فهو ولغاية هذه اللحظة، لم يستطع تحقيق “صورة نصر ميداني” جنوباً، وما زال يسعى إليها. وقد حاول جاهداً خلال الأيام الماضية بلوغ مناطق متقدمة في الجبهة، لا سيّما عند محاور القطاعين الغربي والشرقي. ولو أنه استطاع دخول بلدة شمع (غرب)، لكنه لم يحافظ على سيطرة كاملة داخلها بدليل استمرار الغارات، كما أنه لم ينجح في بلوغ البياضة كنقطة استراتيجية كاشفة وضعها هدفاً للمسار الحالي من العمليات، وذلك بفعل ضربات رجال المقاومة التي ما تزال تحافظ على جيوب قتال فاعلة ونشطة في المنطقة، كما أنه لم يتمكن من بلوغ أودية مجدلزون أو طيرحرفا، وما زال يخوض قتالاً شديداً، وتبدو أن المقاومة نجحت في استدراجه فعلاً للخروج في القتال ضمن مناطق الحافة وبلوغه مناطق المستوى الثاني، إذ قد تكون المقاومة تعتبر أن نشاطها العسكري في هذه المنطقة يتسّم بحرية حركة ومناورة أكبر من تلك المتوفرة داخل قرى الحافة. وبالتالي إن هذه الإستراتيجية تسهم في إرهاق العدو وإدخاله في نمط حرب استنزاف طويل الأمد من دون القدرة على تحقيق مكاسب عسكرية تصلح للترجمة كأوراق تفاوض، إنما يتوفر العكس بالنسبة إليها. وعلى نفس الوتيرة، ما زال العدو غير قادر على تحقيق قفزات عسكرية نوعية في معركته للوصول إلى بنت جبيل من عدة محاور ضمن الجبهة الشرقية، أو السيطرة على مدينة الخيام بوصفها نقطة تمركز أساسية.

أسرار حيال زيارة هوكشتاين
بعيداً عن نتائج زيارة هوكشتاين إلى تل أبيب، كانت حركته في بيروت مختلفة عمّا هو معهود. فعندما قرر التوجه إلى بيروت محدداً زيارته بيوم الثلاثاء الماضي، فُهم أن الزيارة ليوم واحد فقط وسيخصصها لاستلام مسودة الإتفاق المعدلة وإجراء لقاءات ومناقشات حولها مع المعنيين المباشرين بالمفاوضات، أي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وسيقوم بزيارة إلى قائد الجيش ومن ثم يغادر إلى تل أبيب. ومع تطور المناقشات وملاحظة هوكشتاين أن الورقة تحتاج إلى بعض التعديلات فيما الجانب اللبناني يطالب بإيضاحات حول بعض النقاط الواردة فيها، قرر تمديد زيارته إلى بيروت، وتمّ الإتفاق على تشكيل “لجنة تقنية” لبنانية – أميركية لتنكب على دراسة الورقة وإجراء التعديلات المطلوبة ربطاً بالملاحظات التي وضعت خلال لقاء بري – هوكشتاين الأول. وكان لافتاً أن هوكشتاين افتتح زيارته بلقاء بري وحصل منه على المسودة، ثم ختم زيارته بلقاء مع بري أيضاً واستلم منه النسخة المنقّحة – المعدلة مرة ثانية وتوجه بها فوراً إلى تل أبيب.

يقول مصدر سياسي بارز، إن هوكشتاين وقبيل وصوله إلى بيروت، لاحظ ارتفاع لغة التخاطب العسكري بين لبنان وإسرائيل. فطلب من المفاوض اللبناني ممارسة ضغوطات على “الحزب” من أجل وقف قصف تل أبيب، خاصة وأن الحزب تمكن من إصابة عمق تل أبيب بطريقة غير مسبوقة. وفُهم أن هوكشتاين الذي أدركَ عمق التوقيت الذي اختاره الحزب والذي كرّس مسألة هامة جداً بالنسبة لتماثل التوازنات الميدانية مع إسرائيل، خشيَ من تأثير ذلك على مسار التفاوض بحيث تتخذ منه تل أبيب ذريعة للتملص من المسار. جاء الرد اللبناني على شكل أن يطلب الأميركيون من العدو، بالموازاة، تجميد غاراته على العاصمة بيروت والضاحية الجنوبية خلال فترة التفاوض غير المباشر مع الأميركيين بالإشارة إلى فترة وجود هوكشتاين في بيروت. هي فكرة حملت هوكشتاين إلى الطلب من إسرائيل ولبنان إبداء “حسن نية للتفاوض”، ليتمكن من نيل التزام من إسرائيل بوقف غاراتها على بيروت والضاحية مقابل نيل المفاوض اللبناني ضمانة من المقاومة بعدم استهداف تل أبيب خلال سريان التفاوض.

المصدر: عبدالله قمح – ليبانون ديبايت