“تسبّبت بهدر في المال العام”… شركة تواجه المساءلة!
في زمن الانهيار والفراغ الذي يتحول إلى قاعدة في المؤسسات الرسمية، لا يزال الإصلاح مفقوداً في ضوء غياب فاضح لأي إجراء أو خطوة إصلاحية، وبالتالي بقاء الواقع على حاله كما هو لافت على سبيل المثال في عملية احتكار الشركة المشغلة لخدمات البريد “ليبان بوست” هذا القطاع، وذلك منذ العام 1998، علماً أن العقد الموقع معها، والذي يتجدد بحكم الأمر الواقع، لم يكن يوماً في مصلحة الدولة اللبنانية، علماً أنه مخالف للقانون، وذلك بعدما تمّ تعديل حصة الدولة من إيرادات البريد على سبيل المثال وليس الحصر، كما ورد في تقرير ديوان المحاسبة في العام 2021.
رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني، كشف لـ”ليبانون ديبايت” عن معطياتٍ رسمية مستندة إلى التقرير المفصّل الذي وضعه ديوان المحاسبة، والذي فنّد فيه كل مخالفات وتجاوزات “ليبان بوست” والتي تواجه اليوم مساءلةً من مجلس شورى الدولة، حول الهدر الذي تسبّبت به للمال العام، وحوّلته أرباح صافية لها.
وكشف الدكتور مارديني عن، تقريرٍ خاص أعده المعهد اللبناني لدراسات السوق حول كل هذه المخالفات، والتي تضيء على عمليات الهدر والفساد، والتي تطرح تساؤلات حول حقها في مواصلة احتكار القطاع، حيث أشار إلى أنه قد تمّ تمديد عقد الشركة لعدة مرات من خارج القانون، ومن دون الالتفات إلى مصلحة الدولة المالية، وإثراء الملتزم أي “ليبان بوست” على حسابها.
وفي هذا السياق، فإن تقرير ديوان المحاسبة في هذا الخصوص، يؤكد أنه منذ مباشرة تنفيذ العقد أي منذ عقدين، لم تتمّ أي محاسبة مالية سنوية بين طرفيه، أي أن عائدات الدولة كانت صفراً لسنوات، وإن كانت تتحمل الأعباء التشغيلية من رواتب وأجور وقرطاسية وإيجارات، ممّا يزيد الخسائر على الخزينة.
وبالتالي، وقبل التلزيم، كان يتمّ نقل بريد الإدارات العامة مجاناً ومع ذلك، ارتفعت إيرادات الدولة من 4.5 مليار ل.ل. في العام 1997 إلى 7.9 مليار ل.ل. سنوياً عام 1998، أي حوالي الضعف خلال سنة، أمّا بعد التلزيم، فانخفضت إيرادات الدولة المالية إلى صفر، بينما حققت الشركة أرباحاً طائلة.
ويتبيّن من تقرير ديوان المحاسبة، أن إدارة البريد اللبنانية كانت تتمتع بالحصرية البريدية على كافة الأراضي اللبنانية وكان من بين الخدمات التي يقدمها المرفق البريدي، المراسلات المحلية والدولية الصادرة والواردة، البريد المضمون مع إشعارٍ بالاستلام، الطوابع البريدية، الطرود البريدية، العلب البريدية، البرقيات والتلكس، إصدار قرارات الترخيص لشركات نقل البريد بالمواكبة وغيرها من الخدمات. كما أن المديرية العامة للبريد، كانت تتولى نقل وتوصيل بريد الإدارات الرسمية دون مقابل، وأنه يتبيّن من حساب مهمة محتسب المالية المركزي لعامي 1997 و 1998 أن حاصلات البريد المودعة في الخزينة للعامين المذكورين تقارب 12.5 مليار ليرة لبنانية لا غير.
أمّا لجهة المنافع التي حصلت عليها “ليبان بوست” على حساب الخزينة، فقد تحدث التقرير نفسه عن “مكافأة” من الدولة اللبنانية في العام 2021، إذ أصبحت الخدمات الجديدة التي تتولاها من خارج الخدمات البريدية لا تخضع فعليا لتقاسم الإيرادات مع الدولة. هذه الخدمات الجديدة تشمل خدمات إنجاز المعاملات الحكومية الرسمية وهي عديدة ومتنوعة، خدمات الإعلان عبر الصحف، التأمين على بعض الآليات، خدمات الترجمة والمصادقات، عقود ضمان الإجراء الأجانب، عقود ضمان الحوادث الشخصية وغيرها من الخدمات. لم تنل الدولة اللبنانية من هذه الخدمات فلساً واحداً، فحصّة الدولة المحددة بـ 5% من الإيرادات لا تتوجّب إلاّ عن شطور لا يمكن إدراكها إلاّ نظرياً.
كذلك قرر مجلس الوزراء، تخفيض بدلات الإيجار التي تدفعها الشركة عن مركز بيروت للفرز من 1.200.000 إلى 600.000 دولار أميركي وإضافة الطابق الأرضي في مركز الفرز في المطار إلى الأبنية المؤجّرة من الشركة دون بدل إضافي.
إضافةً إلى ما تقدم، منحت الحكومة الشركة، تفويضاً لمراقبة وضبط شركات نقل البريد الدولية في المطارات وغيرها من المداخل الدولية، وهو ما أكسب “ليبان بوست”، تعويضاً شهرياً غير خاضع لمشاركة الدولة اللبنانية 50 ألف دولار أميركي تُقتطع من الدفعات المستحقة لشركات نقل البريد الدولية. علما ان هذه الخدمة هي من صلب الخدمات البريدية التي كانت تقوم بها المديرية العامة للبريد في وزارة الاتصالات قبل إجراء التلزيم، كما ورد في تقرير ديوان المحاسبة رقم 11/2021 المشار إليه سابقاً، وهو ما حرم خزينة الدولة من عائدات مالية تُقدّر بـ600 ألف دولار أميركي.
وفي الخلاصة، فإن المنافع غير المشروعة التي حصلت عليها شركة “ليبان بوست” ما بين عامي 1998 و 2019، والتي فنّدها ديوان المحاسبة في تقريره رقم 11/2021، وهي ان دلت على شيء، يضيف التقرير، فعلى الاستخفاف بالمال العام ومصلحة الدولة وحقوق الخزينة، إن كان من قبل وزراء الاتصالات المتعاقبين، أو من قبل مجلس الوزراء في كل العهود السابقة.
ليبانون ديبايت