“المصارف في فترة الانتظار”
كتب أمين عام جمعية المصارف فادي خلف، مقالاً بعنوان “المصارف في فترة الانتظار”، جاء فيه: “في ظروف تتزايد تعقيداً، وفيما كانت المصارف تأمل من الدولة أن تتوصل إلى حلول يُبنى عليها لإعادة إطلاق العمل المصرفي على أسس سليمة، يبدو واضحا أنه عوض إحراز التقدم الموعود تقع الدولة في فراغٍ تلو الفراغ”.
وأضاف، “يعتقد البعض أن على المصارف انتظار الحلول السياسية علها تأتيها بجديد. لكن الواقع أن الأزمة لا تمنحها ترف الوقت، فهي تتفاقم والمصارف تحاول جاهدة التأقلم معها لمواجهة المخاطر، وهي تسأل إلى متى؟”.
وأعلن خلف، “لقد طالبت المصارف وبإلحاح الدولة بتحمّل مسؤولياتها تجاه أموال المصارف والمودعين، لكن الدولة ما زالت حتى اليوم تتهرّب من هذه المسؤولية، محاولة تحميلها للمصارف بإلقاء اللوم عليها في لعبة تقاذف المسؤوليات بين السياسيين، فأضحى التهجّم على المصارف أداة للشعبوية أكثر من أي شيء آخر”.
وأكمل، “بالنسبة لمشاريع القوانين، أكان مشروع إعادة الانتظام المالي أو إعادة هيكلة المصارف، أصبح لدى المصارف قناعة واضحة بأن التركيز يتجّه نحو شطب ودائع المصارف لدى مصرف لبنان، وبالتالي تحميل المصارف والمودعين مسؤولية الفجوة المالية التي تواجهها البلاد اليوم”.
وإعتبر خلف، ان “الفجوة المالية أتت نتيجة “أزمة نظامية” تسبّب بها الفساد المستشري وسوء الإدارة في القطاع العام. أزمة نظامية أرخت بظلالها بشكل كبير على القطاع الخاص وتحديداً على القطاع المصرفي وعلى المودعين. على هذا الأساس وحده يجب أن تُبنى الحلول وليس على أي أسسٍ أخرى”.
وتابع، “من الناحية القضائية تعرّض القطاع المصرفي لقرارات تعسفية، عبر الادعاء جزافاً بتهمة تبييض الأموال على عدد من المصارف بسبب عدم منحها معلومات مصرفية بمفعول رجعي خلافاً للقانون”، آسفاً “انه بالإضافة إلى الناحية التعسفية لهذا الادعاء، يكمن الأذى البالغ الذي يلحقه هكذا ادعاء بعلاقة المصارف اللبنانية بالمصارف المراسلة، مما يهدّد مصالح المودعين والاقتصاد الوطني بشكلٍ عام”.
ورأى خلف، أن “وحده مجلس شورى الدولة نطق بالحق، إذ قبل “بالشكل” الدعوى المقدمة من جمعية المصارف ضد الدولة لمنعها من استملاك أموال المودعين مع مفعول رجعي”. وأضاف، “قد ورد في متن قرار الشورى توصيف دقيق للواقع، عندما تحدث بوضوح لا لبس فيه، عن “قيام الدولة اللبنانية بمصادرة ودائع المصارف لدى مصرف لبنان والتصرف بها وتملّكها”.
وقال: “إن هذا القرار يعتبر انتصاراً للمودعين وللمصارف على حد سواء. على أمل أن يستكمل مجلس الشورى قراره بقبول “أساس الدعوى” لتعود للمودعين وللمصارف حقوقهم”.
وشرح خلف، “من الناحية الأمنية، تعرضت وما زالت المصارف لهجمات شرسة. تم إحراق العديد من الفروع وتدمير صرَّافاتها الآلية. تعرّض موظفو المصارف للتهديد والاعتداء الجسدي”.
وذكر، “في ظل هذه الظروف الصعبة نسمع بشكل متكرّر عن محاولات لإصدار تراخيص لمصارف جديدة في لبنان. لقد قام حاكم مصرف لبنان بنفي هذه الأخبار، لكن المصارف رغم ذلك تشعر بالقلق الشديد من أن تتفاقم الضغوط القادمة في هذا الاتجاه، فتقضي على أية إمكانية لاستمرارية المصارف الحالية وعلى أي أمل باستعادة الودائع”.
وإستكمل خلف، “فيما يتعلّق بالدعاوى الحالية التي تقام ضد المصارف في الخارج، من الواضح أن قلة من كبار المودعين المقيمين في الخارج هم من يقدمون هذه الدعاوى ضد المصارف، بما يؤدّي إلى جفاف سيولتها التي يفترض أن توزع على جميع المودعين بالتساوي وفقًا للتعميم رقم 158. إن ما يحدث يمكن تصنيفه على أنه قمة الاستنسابية وضرب للمساواة بين المودعين”.
وتابع، “فيما يتعلق بكيفية تبديد 51 مليار دولار من أموال المودعين بعد 17 تشرين الأول 2019، فقد انخفضت التسليفات للقطاع الخاص من 38 مليار دولار إلى حوالي 9 مليار دولار. وهذا يعني أنه تم تسديد 29 مليار دولار من أموال المودعين إما بالليرة أو بالدولار المحلي. لقد تم ذلك بسبب عدم اتخاذ الدولة للخطوات اللازمة لحماية أموال المودعين”.
ورأى خلف، أن “هذا التأخير أدّى إلى تغيير جذري في النظام الاقتصادي اللبناني وحوَّلَه إلى نظام أشبه بالأنظمة التي تنادي بإعادة توزيع الثروات، حيث أصبح مقترضو الأمس، أثرياء اليوم، وذلك على حساب المودعين”.
واستكمل، “بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام حوالي 22 مليار دولار منذ بدء الأزمة من الاحتياطي الإلزامي لتمويل المحروقات والأدوية والطحين، ولتلبية احتياجات الدولة من العملات الأجنبية، ولدفع رواتب القطاع العام، وللتدخل لدعم الليرة اللبنانية من خلال منصة صيرفة، وغيرها من الأغراض غير المعتادة”.
وقال: “هنا يجب التذكير وبشدّة، أن هذا الاحتياطي هو مخصص حصرياً لحماية الودائع وحق للمودعين، لا يشاركهم فيه أحد. ولكن، ورغم الاعتراضات المتكررة للمصارف، تم تحويل جزء كبير من هذا الاحتياطي إلى أغراض غير تلك المخصّصة له، بدلاً من إعادته إلى المودعين، وهم وحدهم أصحاب الحق”.
ولفت خلف، الى انه “فيما يخصّ ودائع المصارف لدى مصرف لبنان، صرّح حاكم مصرف لبنان، وخلال لقاءات تلفزيونية عدة، بأن مصرف لبنان أعاد للمصارف كامل إيداعاتها لديه، لا بل أنه حول لها مليارات من الدولارات زيادة على ما أودعته في المركزي”.
وإعتبر، أنه “من الطبيعي أن تفضي هذه التصاريح إلى بلبلة في أوساط عدّة معنية مباشرة بهذا الموضوع، أولها المصارف والمودعين، وقد أدّى ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى ذيول تواجهها المصارف منذ فترة ومنها:
– توجُّه المودعين إلى فروع المصارف معتقدين بأن خزناتها الحديدية تحتوي على 85 مليار دولار وهي تمتنع عن تسليمهم إياها.
– الجهات الدولية تسأل عن الضبابية في هذا المجال، فميزانية مصرف لبنان تُبَيِّن أن ودائع المصارف ما زالت موجودة في حسابات مصرف لبنان، ومن جهة أخرى يُفهم من تصريحات الحاكم عكس ذلك.
– الإعلام لا ينفك يتواصل مع المصارف مطالباً بتوضيح موقفها من هذه النقطة بالتحديد ومتهماً إياها بأن سكوتها هو علامة الرضى”.
وختم خلف كاشفاً، أن “المصارف من ناحيتها حاولت الاستفسار عن هذه التصريحات، لكنها لم تحصل بعد على الجواب الشافي”.