شركات الإنترنت تبتلع المال العام: تهديدات “الاتصالات” بلا طائل
حسمَت وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو مسألة رفع تعرفة الخدمات التي يحصل عليها المشتركون من الهيئة. لم يكن ذلك حدثاً طارئاً، إذ بُحِثَت الترتيبات مع وزارة المالية منذ شهر أيار الماضي، فالزيادة التي لحقت بالتعرفة في العام 2022، لم تعد كافية لإدخال مردود مناسب، نظراً لارتفاع أسعار الدولار في السوق وفقدان الليرة قيمتها الشرائية. ولذلك، لم يكن إقرار رفع التعرفة في جلسة الحكومة يوم الخميس المنصرم، بالأمر المفاجىء، بل الحدث الأبرز هو استمرار بيع الخدمات للشركات بأسعار بخسة مقارنة مع بيع الشركات للانترنت لمشتركيها بالدولار. حتى إن رفع الأسعار يعطي الشركات حجّة لرفع التعرفة على مشتركيهم، ويبيح ضمناً، هدر المال العام.
أقوال بلا أفعال
على غرار النهج المستمر، حمَّلَت الحكومة مشتركي هيئة أوجيرو عبء إدخال مردود إضافي إلى خزنة أوجيرو وخزينة الدولة. فرفعت تعرفة الاتصالات والانترنت سبعة أضعاف ما رست عليه زيادة العام الماضي. وعلى سبيل المثال، فإن خدمة الانترنت بقدرة 80 جيغابيت التي كان سعرها 60 ألف ليرة، ستصبح وفق التعرفة الجديدة 420 ألف ليرة. وتمتد اللائحة حسب زيادة القدرات المشترك بها، وصولاً إلى باقة السرعة الثابتة المفتوحة (Nx2Mbps-Dedicated Premium)، التي انتقل سعرها من 700 ألف ليرة إلى 7 ملايين ليرة. ومن المتوقَّع وفق الزيادة الجديدة، بالإضافة إلى عائدات الضريبة على القيمة المضافة TVA، أن ترتفع إيرادات أوجيرو “لتصل إلى مبلغ 13000 مليار ليرة سنوياً”، حسب ما يؤكّده المدير العام لأوجيرو عماد كريدية، في حديث لـ”المدن”.
اللافت للنظر أن أحداً من وزارة الاتصالات وأوجيرو والحكومة، لم يتطرّق لمسألة احتساب ثمن باقات الانترنت التي تشتريها الشركات من أوجيرو بسعر منخفض بالليرة، وتبيعها لمشتركيها بالدولار النقدي. علماً أنه كان من المفترض بالوزارة وضع آلية لتعديل أسعار الشركات، منذ العام السابق. وحينها، أكّدت مصادر في الوزارة لـ”المدن”، أن رفع التعرفة “خيار حتمي وليس نزهة. والأسعار الحالية تؤدّي إلى انهيار القطاع”.
ولاستعادة حقّ الدولة ببيع الانترنت للشركات بالأسعار متناسبة مع ما تبيع الأخيرة الإنترنت وفقه، ذهبت الوزارة بعيداً إلى حدّ غربلة الشركات وتهديد غير المرخّصة منها، بالملاحقة. داعية إياها إلى تسوية أوضاعها تحت طائلة اتخاذ التدابير القانونية. وقصدت الوزارة من ذلك ضبط القطاع وانتفاع الدولة منه على أكمل وجه. إلاّ أن هذ التصعيد هدأَ فعلاً، والوزارة لم تقترب من منافع الشركات المرخصة، فكيف ستتمكّن من محاسبة غير المرخّصة؟
لم تتحوَّل أقوال الوزارة إلى أفعال. وساندتها أوجيرو بعدم اعتبارها تعديل الأسعار المعطاة للشركات، أمراً واجباً لإحقاق العدالة والتناسُب بين ما يُباع للأفراد وما يُباع للشركات التي تعيد استثمار ما تشتريه، فتحقِّق أرباحاً كبيرة. مع أن المصادر أعربت عن ضرورة الاقتراب من صيغة تحاكي دولرة الأسعار عبر إيجاد معادلة ترفع الأسعار بمستويات توازي التسعير بالدولار. وتحتاج أوجيرو إلى هذا التناسب لأنها تريد تأمين الدولار لسد أكلاف الصيانة وشراء قطع الغيار والكابلات وما إلى ذلك.
ولأن قضية الأسعار التي تنعَم بها شركات الانترنت الخاصة، لم تُعالَج “لا يوجد أي آلية لتحديد الأسعار من قِبَل الشركات الخاصة”، يقول كريدية. وبالتالي، تسعِّر الشركات على هواها. “وعلى وزارة الاتصالات ووزارة الاقتصاد العمل سوياً لتنظيم الأسعار التي تستوفى من المشتركين”، حسب كريدية.
استمالة المشتركين
إذا كانت أوجيرو تحاول تحقيق أفضلية في السعر ومنافسة الشركات الخاصة بالاستفادة من فارق الأسعار بين خدماتها وخدمات الشركات الأغلى والمدولرة، كان عليها -مع الوزارة- رفع الأسعار على الشركات فتكسب بذلك قدرة تنافسية أعلى وتستميل المشتركين لتركيب خطوط هاتف من أوجيرو والاستفادة من خدماتها. وتحقق الهيئة بذلك أرباحاً إضافية تساعدها على سد حاجاتها.
ومع ذلك، يمكن للحكومة تدارك الأمر وإعادة بحث الجزء المتعلّق بشركات الانترنت، خلال جلسة يوم غد الإثنين، إن كانت حريصة على المال العام، فالنقاشات مستمرة ولم يفت الأوان بعد. إلاّ إن كان هناك خيار مقصود لطيّ الصفحة واعتبار أن رفع التعرفة هو الإنجاز الأهم، بانتظار إقرار ارتفاعات أخرى مستقبلاً.