موقف “ملتبس”.. أيّ “حوار” يريد باسيل حول انتخابات الرئاسة؟!
منذ أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري مبادرته الحواريّة، التي دعا فيها إلى حوار لسبعة أيام يتناول ملف الانتخابات الرئاسية حصرًا، على أن تعقبه جلسات “متتالية” في مجلس النواب لانتخاب الرئيس، يصرّ رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل على “التمايز” في موقفه حدّ “الغموض غير البنّاء”، فتارةً يرحّب بالحوار بلا شروط ولا مواقف مسبقة، وطورًا ينقلب على موقفه منه، وبين الموقفين يضع “شروطًا” تفرغ المبادرة من مضمونها وجوهرها.
هكذا، تدرّج موقف باسيل من “حوار الأيام السبعة” من دون أن يتّضح ما الذي سيفعله فعليًا في حال تمّت الدعوة إلى الحوار اليوم قبل الغد، فمن استمع إلى باسيل بعد لحظات من إطلاق الرئيس بري لمبادرته شعر أنّ الرجل سيكون أول المشاركين، لكن ما هي إلا أيام، حتى بدأ باسيل يغيّر “تموضعه”، وهو ما فُهِم من تصريحه الشهير، حين أوحى بـ”تصادم” بين حراك بري والمبادرة الفرنسية، الأمر الذي “دحضه” الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان حين أبدى دعمه الكامل للحوار.
وفي آخر مواقفه، يبدو وباسيل وكأنّه يحاول أن يقف “في الوسط”، بانتظار نضوج الصورة، فهو عاد لنغمة “الترحيب” بالحوار، بيد أنه وضع شروطًا عليه زادت موقفه التباسًا، فهو يريد الحوار، لكنه لا يريده تقليديًا، وهو يريد الحوار، لكنّه لا يريده جامعًا، بل عبارة عن مشاورات ثنائية وثلاثية، وهو يريد الحوار، لكنه يريده بلا رئيس ومرؤوس، وبإدارة محايدة، شروط تدفع كثيرين إلى التساؤل: أي حوار هو هذا الذي يطالب به باسيل؟ وهل فعلاً يريد الحوار كما يقول في كلّ المناسبات؟!
أي حوار يريد باسيل؟
في الأوساط السياسية، تُطرَح الكثير من الأسئلة عن نوع الحوار الذي يريده باسيل، خصوصًا بعد الشروط التي أثارها في خطابه الأخير، وأعاد التأكيد عليها في بيان الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر”، وقوامها حوار محصور بموضوع الانتخابات الرئاسية، وبفترة زمانية ومكان محدّدين، وأن يكون غير تقليدي، ومن دون رئيس ومرؤوس، بل بإدارة محايدة، ويأخذ شكل مشاورات وتباحث ثنائي وثلاثي ومتعدد الأطراف، بين رؤساء الأحزاب أصحاب القرار، للوصول إلى انتخاب رئيس إصلاحي.
تطرح “شروط” باسيل الكثير من علامات الاستفهام، فإذا كان رافضًا للحوار التقليدي الجامع، ويريد بدلاً عنه مشاورات ثنائية وثلاثية، فمثل هذه المشاورات قائمة أصلاً، بدليل الحوار المتواصل بينه وبين “حزب الله”، لكن بات واضحًا أنها لا تكفي للوصول إلى حلّ، لأن المطلوب بكل بساطة هو مشاركة الجميع، وليس إقصاء أي فريق، علمًا أنّ بعض القوى السياسية، ولا سيما في صفوف المعارضة، ترفض الحوار الجامع بسبب “حزب الله”، فكيف بالحري الحوار الثنائي معه.
باختصار، ثمّة في الأوساط السياسية من يعتبر أنّ مشكلة باسيل الذي يروّج منذ فترة بأنّه مع الحوار، بل “عرّابه”، هي مشكلة “مزدوجة”، فهو من ناحية لا يريد منح أيّ “امتياز” لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو لا يريد أن يشارك في حوار يسجّل “مبادرة” للأخير، استكمالاً لعلاقة “الخصومة” بينهما، ومن ناحية ثانية، يخشى أن ترتدّ مشاركته في الحوار بلا شروط عليه، في ضوء المزايدات القائمة على الساحة المسيحية، ما يفرض عليه إطلاق مواقف “شعبوية” هنا أو هناك.
حوار “غير تقليدي”
يقول العارفون إنّ مشكلة باسيل “المزدوجة” هذه تفسّر “الالتباس” الذي يطبع موقفه من مبادرة رئيس مجلس النواب، فهو مؤيّد للحوار، ومتحمّس له، ويريد أن يكون “رابحًا” من أيّ تسوية رئاسية يتمّ التوصل إليه، ولو رست على أكثر الأسماء التي “حاربها” على امتداد “البازار الرئاسي”، لكنّه يريد أن تكون المبادرة مبادرته، وأن يكون الإنجاز إنجازه، وكلّ ما يخشاه أن يخرج خصومه رابحين من هذه المعمعة، من الرئيس نبيه بري، إلى المعارضة المسيحية، ولا سيما حزبي “القوات” و”الكتائب”.
لكنّ المحسوبين على “التيار الوطني الحر” يرفضون هذا المنطق، ويقولون إن منطق باسيل في مقاربة الحوار أبعد ما يكون عن هذه “النكايات الشخصية” التي لا تقدّم ولا تؤخّر شيئًا في المعادلة، مشيرين إلى أنّ باسيل حين يتحدّث عن حوار محصور في الزمان والمكان والموضوع، وغير تقليدي، فهو لا يفرغ الحوار من مضمونه، بل على العكس من ذلك، يسعى لمنحه مقوّمات النجاح، لأنّ التجارب التقليدية السابقة أثبتت فشلها، ولا أحد يسعى لتكرارها اليوم، بل إنّ الكثير من الأطراف ستقاطع أيّ حوار تقليدي.
يقول هؤلاء إنّ ما يقصده باسيل هو حوار بصيغة جديدة، يوافق عليها الجميع، بعيدًا عن منطق الطاولة، وحتى عن مجلس النواب، ولا سيما أنّ مبدأ المشاورات لا يفترض أن يلقى اعتراضًا حتى من أولئك المتحفظين على الحوار بوصفه “مضيعة للوقت”. لكن ما يستغربه “العونيون” بل يستهجنونه، فيكمن في الاعتراض على طلب “الإدارة المحايدة”، ورفض “الرئيس والمرؤوس”، علمًا أنّ الرئيس نبيه بري سبق أن قال إنّه لا يمكنه إدارة الحوار، لأنه اضحى “طرفًا”، ولو عاد وتراجع عن موقفه أخيرًا.
فيما يقترب الشغور الرئاسي من إحياء “سنويته الأولى”، لا يزال اللبنانيون يتجادلون حول “شكل” الحوار، فقوى المعارضة ترفضه من الأساس، وتصرّ على الاحتكام فقط إلى صندوق الاقتراع، ولو كانت تدرك سلفًا أنّ لعبة “النصاب” هي الحَكَم. أما باسيل المؤيّد للحوار، فيلجأ إلى شعارات فضفاضة وجميلة، كالمطالبة بحوار غير تقليدي، بلا رئيس ومرؤوس، فيما المشكلة أن البلاد بأسرها باتت بلا رئيس، وهو ما يستوجب القفز فوق كل الحسابات الضيقة، لإنجاز الاستحقاق اليوم قبل الغد!
لبنان 24