هل الإقتصاد بخطر مع استمرار التوتّر جنوباً؟!
تخيّم الأجواء المتشائمة منذ صباح 7 تشرين الأوّل على المنطقة وعلى لبنان، الذي يعيش أصلاً تأزمّا لم يشهد له مثيلاً منذ سنوات طويلة. إلا أن وتيرة القصف المرجّحة للتصعيد في أي لحظة جنوباً، تشّكّل الرعب الأساسي بالنسبة للمواطنين، مع كل ما سيترتّب عنها من تداعيات اقتصادية هائلة وخطيرة، على وجه التحديد. فما هو السيناريو المتوقع؟
تراجع الإستعداد للإنفاق
إعتبر عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا بيار الخوري، أنه بشكل عام يمكن الحديث عن أن تزايد المخاطر السياسية واحتمال توسّع ما يحصل الآن على الجبهة الجنوبية إلى عمليات عسكرية واسعة، يؤدي إلى مزيد من التخوّف الإقتصادي، وبالتالي تراجع الإستعداد للإنفاق.
وفي حديث لـ”لبنان 24″، أكد الخوري أن هذا الأمر ثابت حتى في الوضع الراهن، إذ إن الكثير من قرارات الإنفاق اليوم يتمّ إعادة جدولتها بسبب الإحتمالات الخطرة التي يمكن أن يتمخّض عليها الواقع اللبناني في ظل إستعار الحرب على غزة.
وفي هذا الإطار، أوضح أن “هذا يشمل كل الأشخاص الذين هم بحاجة لإجراء تعديلات طفيفة داخل منازلهم على سبيل المثال، إلى أولئك الذين يبحثون عن استثمارات أوسع مهما كان حجمها، أي من أحجام مختلفة من الجانب الإقتصادي بشكل عامّ”.
من هنا، شدد الخوري على أن هذا الأثر سلبي ومستمرّ في ظل الظروف المحيطة بنا، مذكّراً بأن لبنان واللبنانيين يعيشون أصلاً أوضاعاً صعبة واختناقات اقتصادية وانهيار القطاعات منذ 2019، وذلك بغضّ النظر عن الوضع في غزّة.
وقال: “إذا ما طالت فترة الصراع وتمدد إلى لبنان بشكل أوسع ممّا نشهده حالياً من مناوشات مدروسة جنوباً، فإن ذلك سيهدد باختناقات أوسع في القطاعات الإقتصادية الأساسية”.
القطاعات المعرّضة للخطر
إلى ذلك، كشف الخوري أنه وبشكل خاص، فالقطاعان الصحي والغذائي هما الأكثر خطورة في هكذا سيناريو، إذ أن القطاع الأول يشهد منذ مدّة نقصاً في الموارد المادية والبشرية، أما القطاع الثاني فسيعيش خطراً كبيراً في حال حدوث حصار بحري لأن لبنان دولة مستوردة لحاجاتها بشكل رئيسي، خاصة بعدما استعاد الإستيراد وتيرته في العامين المنصرمين.
وأكّد أن بعض العواقب الإقتصادية بدأت بالظهور فعلاً، وذلك من خلال حركة الدخول والخروج إلى مطار بيروت الدولي، موضحاً أن هناك زيادة في صافي الخروج بـ100 ألف مسافر من لبنان خلال الشهر الأخير.
وأضاف متحدثاً عن العواقب: “الإرتفاع في أسعار المحروقات وربما انقطاعها في حال توسّع الأحداث، بالإضافة إلى العامل المختصّ بتوفر المواد الطبية والغذائية”.
وتابع: ” الأرقام تقول إن الناتج المحلي الإجمالي وهو عند مستوى منخفض أساساً عند أقلّ من 20 مليار دولار، قد يتعرّض لنكسة بحدود الـ20%، بالإضافة إلى الخسائر بالثروة التي يمكن أن تتأتّى نتيجة لتوسّع العمليات العسكرية”.
آثار حركة النزوح من جنوب لبنان
كما تطرّق الخوري إلى حركة النزوح من جنوب لبنان نحو بيروت والمناطق الأخرى، فقال إنّ “آثارها حتى الآن محدودة من الجانب الإقتصادي مع أننا شهدنا ارتفاعاً في أسعار الإيجارات في المناطق التي تمّ النزوح إليها، إلا أن هذا الأمر طبيعيّ وفقاً لمنطق السوق”، معتبراً أنه “يجب أن يكون هناك تحرّك على الجانب الرسمي لتوفير أماكن إيواء كي لا يسمح باستغلال وضع النازحين الإقتصادي راهناً”.
من ناحية أخرى، اعتبر أن تعطّل القدرة على حصاد بعض مزارع الزيتون الناشط عادة في القرى الحدودية الجنوبية واحتراق قسم منها، سيؤدي إلى ارتفاع سعر الزيت بشكل واضح في السوق المحلي، وهذا مؤشر إلى ما يمكن أن تتدحرج إليه الأمور.
وفي هذا الإطار، أشار الخوري إلى أن اقتصاد الزراعة في لبنان لا يشكّل جزءاً وازناً من مجموع الناتج بالدولار، على الرغم من أنه قد يشكّل جزءاً من مداخيل المواطنين.
كما أضاف أن “البلد يعيش منذ سنوات على التحويلات من أنواع مختلفة التي قد لا تتأثر إلا بحال انقطاع لبنان عن العالم الخارجي بشكل كلّي، إلا أن هذا الأمر يحيلنا إلى فكرة انفصال الواقع اللبناني عن المؤشرات الإقتصادية الأساسية”، موضحاً أن جزءاً من هذه التحويلات هو منزلي، بينما الجزء الآخر يتراوح بين التحويلات السياسية والجريمة المنظمة.
ماذا عن سعر الصرف؟
وعن سعر صرف الدولار، فقال الخوري إن العملة الخضراء دخلت منذ مدّة في مرحلة من الإستقرار النسبي طويل الأمد بسبب تجفيف السيولة من السوق، إذ لا توجد سيولة بالليرة اللبنانية للطلب على الدولار، وهذا هو السبب الأساسي للإستقرار وليس العناصر الإقتصادية.
وأضاف أنه إذا استمرّ مصرف لبنان بسياسته الحالية ومهما حصل على الصعيد الأمني، فلا يمكن القول إن الدولار معرّض للإرتفاع إلا في حال فرضت الحكومة على المصرف المركزي تمويل عمليات إغاثة على سبيل المثال، ما يدفع “المركزي” إمّا للتخلي عن دولاراته، وإما طبع الليرات لتمويل الحكومة، وهنا يعود الحديث عن أن لا سقف للعملة الخضراء في بيروت.
وختم بالقول: “كل ذلك يتوقف على حجم توسّع الصراع، وطريقة الإستجابة الرسمية له، وحجم الأموال المتوفرة إمّا من خارج لبنان، وإمّا من الإيرادات الحكومية من دون اللجوء إلى المصرف المركزي.
إذاَ، ينذر الصراع على الجبهة الحدودية بتحديات كارثية، ليس باستطاعة لبنان -لا الرسمي ولا الشعبي- تحمّل أوزارها الثقيلة. من هنا، لا يبقى باستطاعة هذا الشعب المأزوم سوى الدعاء، كي تمرّ هذه المرحلة المدمّرة بأقلّ أضرار، إذا أمكن!
المصدر: لبنان 24