الخطة الشاملة شرط لإصلاح المصارف!
افتتاحية التقرير الشهري لجمعية مصارف لبنان بقلم الأمين العام الدكتور فادي خلف:
جيد أن نرى مشروع قانون إصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها يخرج إلى النور ولو بمسودته الثانية وشوائبها. لكن أن يُغفِل مصرف لبنان مسؤوليته ليَضَع نفسه حَكمَاً عبر هيئة هو أهم المشاركين فيها ومن دون أن يُشرك المعني الأول أي المصارف فيها، ففي ذلك إجحافاً بحقها.
أما الدولة، فقد مرَّت أربع سنوات وهي تدور في حلقة مفرغة. ترسل الحكومة مشاريع قوانين إلى المجلس النيابي على شكل أجزاءٍ منفصلة فيحتار بين ترابطها وتضاربها. كل ذلك لأن المعالجات تفتقر الى الرؤية الشاملة التي وحدها يمكن أن تقودنا الى الحل الناجع.
من ناحيته مصرف لبنان بحاكميته الجديدة يحاول جاهداً أن يداوي بتعاميمٍ مشاكل قطاع أثقلته التركة التي خلّفها رياض سلامة. ومن لم تتضح له هذه التركة بعد فليراجع التقرير الجنائي لـ Alvarez & Marsal ليرى بأن رياض سلامة بدد بالتآمر مع الدولة أموال المصارف والمودعين بعد أن أخفى ما أخفاه في الميزانيات والأرقام.
أولاً: مصرف لبنان لم يحترم تعهداته السابقة، فكيف يُصبح حَكَماً اليوم.
هل احترم مصرف لبنان وعده للمصارف؟ يوم قال لها رياض سلامة مُطَمئِناً خلال الاجتماع الشهري الذي جمعه بها يوم الجمعة 24 آذار 2014 “… إن مصرف لبنان مؤتمن على ودائع المصارف بالدولار لديه ويعيد توظيفها لدى مصارف تجارية ومصارف مركزية بمخاطر مشابهة لتوظيفات المصارف المباشرة مع المصارف غير المقيمة. ولا يستعملها البنك المركزي بل يلعب دور الوسيط. ولا يحق للدولة استعمال هذه الودائع عملاً بقانون النقد والتسليف…”.
ثم عاد في 31 أيار 2019 ليطمئن المصارف مجدداً قائلاً: “… لدى مصرف لبنان تعهدات من الخزينة بالسداد حفاظاً على مخزون العملات لدى مصرف لبنان، فملاءة الدولة يجب أن لا تكون على حساب البنك المركزي…”.
عندما كان يتحدث رياض سلامة عن المسؤوليات قبل انتهاء ولايته، سأله أحد المصرفيين “هل تعتبر أن الإيداع لدى مصرف لبنان هو خطأ؟” فتهرب سلامة من الإجابة. السؤال نفسه يمكن طرحه على لجنة الرقابة عند وضعها مشاريع القوانين. إذا كان فعلاً الإيداع لدى مصرف لبنان يُعتبر خطأً، هل قامت لجنة الرقابة على المصارف، في فترة ما قبل الأزمة، وهي من كانت مولجه مراقبة توظيفات المصارف، بأي إجراء لمنعها من التوظيف لدى مصرف لبنان. هل كانت اللجنة على علم بما يفعله رياض سلامة بودائع المصارف؟ وهنا يصح القول “إن كانت تدري فتلك مصيبة وإن كانت لا تدري فالمصيبة أعظم”.
أما الدولة التي كانت تنفق على موازناتها من أموال القطاع المصرفي، هل إحترمت تعهداتها وقوانينها؟ المصارف لم تكتفِ بالتطمينات المعطاة لها من قبل حاكم المصرف المركزي في فترة ما قبل الأزمة، بل ارتكزت أيضاً على القانون وبشكل أساسي على المادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تلزم الدولة بإعادة رسملة مصرف لبنان في حال وجود أية خسائر لديه، فهل طبقت الدولة قوانينها قبل العمل على وضع قوانين جديدة مجتزأة؟
ثانياً: تحديد مصير الودائع لدى مصرف لبنان وسندات اليوروبوندز يأتي أولاً.
قبل مناقشة أي قانون يُعنى بميزانيات المصارف وملاءتها، أليس من الضروري إيضاح النقاط التالية:
- أن يقوم مصرف لبنان بإيضاح مصير ما يزيد عن 80 مليار دولار مودعة لديه بالعملات الأجنبية من قبل المصارف.
- أن يُظهِر مصرف لبنان بشكل واضح عند نشره البيانات المتعلقة بما تبقى لديه من سيولة بالعملات الأجنبية، أن هذه السيولة تقابلها التزامات تجاه المصارف وليست ملكاً له.
- أن توضح الدولة مصير سندات اليوروبوندز التي تحملها المصارف.
هذه الإيضاحات ضرورة لا مفر منها قبل أي نقاش، إذ كيف يمكن تقييم وضعية المصارف من دونها؟
وفي النهاية، إن تهميش رأي جمعية المصارف في مشاريع القوانين وإغفال مبدأ الرؤية الشاملة عند طرح الحلول يعيدنا إلى خطة LAZARD التي ما زال ظِلُّها واضحاً في مشاريع قوانين تقود إلى تصفية المصارف، وليس الى إصلاحها.
المصدر: CH23