هل الفيضانات ستتكرّر؟ و كيف هو حال البنى التحتية لبيروت ومحيطها؟
لم يكد مشهد فيضان المياه إلى داخل مطار بيروت، يُنسى من ذاكرة اللبنانيين، حتى فاضت المياه على أكثر من طريق ونفق، وانهارت الأتربة وسقطت جدران على السيارات والبيوت. هي حكاية تتكرّر سنوياً، ولا تواجَه سوى بتقاذف المسوؤليات بين الوزارات المعنية بهذا الملف. وفي أحسن الأحوال، تُرسَل الكتب وتصدر القرارات بتوزيع بعض المهام المتعلّقة بتنظيف بعض مجاري المياه. لكن الأزمة تتكرّر وتقع الخسائر ولا تجد الدولة سبيلاً نحو الحلّ الجذري. أما الحجّة التي يتّفق عليها مَن يُفتَرَض بهم حلّ الأزمة، هي كميّة الأمطار “غير المسبوقة”.
يتصرّف المسؤولون السياسيون وكأن ما يحصل في هذا الوقت من العام مفاجىء. ويتعاملون مع الفيضانات وغرق السيارات ودخول المياه إلى المنازل والمؤسسات، وكأنها حدث لم يحصل من قبل. فتتوالى الاتصالات وتحديد المهام، لكنا تبقى بلا مفاعيل جدية تتناسب مع حجم الأزمة وأضرارها.
في هذا السياق، طمأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى أنه “لا أضرار بشرية جرّاء العاصفة وأنّ كلّ الخطوات الميدانيّة المطلوبة هي قيد المتابعة”. واتصل ميقاتي بوزيريّ الأشغال العامّة والنّقل علي حمية والداخلية بسام المولوي واطلع من حمية على “متابعة موضوع الأوتوسترادات والطّرق التي غرقت بالمياه، وعلى جهوزيّة فرق الوزارة لفتح الطّرق الجبليّة المقطوعة بالثلوج”. كما اطلع من مولوي على “جهوزيّة البلديّات في مختلف المناطق، للتدخل حيث يلزم وفتح الطّرق وتسهيل حركة المواطنين”. وفي الوقت عينه طلب من محافظ بيروت مروان عبود، ورئيس بلدية بيروت عبدالله درويش، “إرسال جرّافات بشكل عاجل لمعالجة الوضع الطارئ عند مصبّ نهر بيروت”.
خطوة ميقاتي يفترض أن تكون استباقية قبل موسم الأمطار ووصول العواصف. إذ عندما تحلّ العاصفة وتغرق الطرقات والمنازل، لا يعود للاتصالات والاطّلاع على التدابير المتّخذة، أي قيمة لأن المشاهد على الأرض هي تقييم عملي للتدابير المفترض أن تكون استباقية. والتقييم الأسوأ، هو وفاة 4 أطفال سوريين في بلدة حميمص في قضاء زغرتا، نتيجة انهيار غرفة سكنية بفعل انجراف التربة نتيجة الفيضانات.
أما وزير الأشغال علي حمية، فاستند إلى القانون رقم 221 الصادر في العام 2000 (قانون تنظيم قطاع المياه)، ليوجِّه مسؤولية فيضان نهر بيروت نحو وزارة الطاقة التي أناط بها القانون صلاحية تنظيم وتقويم مجاري مياه الأنهر. ولذلك قال حمية في حديث إذاعي أنه “على المعني التوجّه مباشرة إلى مصب نهر بيروت والقيام بتعزيل المصب قبل العاصفه المقبلة”. فضلاً عن أن “المطلوب توجيه السؤال عما حصل بالأمس في نهر بيروت إلى كل من رئيس بلدية بيروت ووزير الطاقة”.
وزارة الطاقة بدورها استبقت العاصفة وموسم الأمطار، بكتاب وجّهه وزير الطاقة وليد فيّاض، مطلع شهر أيلول الماضي، إلى وزارة الداخلية والبلديات، طلب فيه “إزالة ومنع جميع العوائق والتعديات القائمة على مجاري الأنهر والمجاري الشتوية بالسرعة القصوى والسماح للبلديات بتعزيلها وذلك حفاظاً على السلامة العامة وتأميناً لجريان المياه في المجاري الشتوية والأنهر قبل حلول فصل الشتاء، وذلك تفادياً لأي فيضانات ممكن حصولها ونحن على أبواب فصل الشتاء”.
تتوزّع المسؤوليات في هذا الملف بين وزارات الأشغال والطاقة والداخلية، وتحمل البلديات مسؤولية لا تقل عن مسؤولية الوزارات، لكن في النتيجة، لا يدفع الثمن سوى المواطن الذي لا تعوِّض عليه الكتب الرسمية وتراشق الاتهامات وعرض نصوص القوانين والمراسيم والتناقضات بينها، والتي تارة ما تلزِّم وزارة الطاقة وفقها، شركات لتنظيف المجاري، وتارة أخرى تلقي المهام على عاتق البلديات. وخلف بعض تلك المسوِّغات القانونية، تتلطّى الوزارات. وما تنفّذه من أشغال، لا يعدو كونه إجراءات سطحية لا تغوص إلى عمق المشكلة.
“الصيانة هي الحل”، تقول مصادر متابعة لملف الأشغال العامة. فتنظيف المجاري هي خطوة تقوم بها الوزارات والبلديات “لكنها لا تحلّ المشكلة”. وتنطلق المصادر في حديثها لـ”المدن”، من فيضان نهر بيروت وغرق منطقة الكارنتينا، لتشير إلى أن “هذه المنطقة تاريخياً هي منطقة مفتوحة ولا يفترض أن تفيض فيها المياه، لكن إقفالها بمشاريع مثل سوق السمك والخضار، ساهمت في إقفال مسار تصريف المياه، ما أدى إلى غرق المنطقة. ولا يحمل نهر بيروت المسؤولية، فمياهه لم تجد مساراً للتصريف”. وهذا ما يتوافق مع ما أوردته وزارة الطاقة في بيانها، إذ اعتبرت أنه “بالرغم من كمية المتساقطات الهائلة، وبحسب الصور والفيديوهات، لم يسجل خروجٌ للنهر عن ضفافه بل ان الطرقات قد فاضت بالمياه حتى قبل ارتفاع منسوب المياه بسبب عدم قدرة أقنية المياه على استيعاب كميات الأمطار وتراكم الأوساخ والنفايات فيها، وهذا حال العديد من الطرقات التي غرقت بالمياه دون أن تكون مجاورة لأية أنهار”.
وتركِّز المصادر حديثها على منطقة بيروت ومحيطها، وتلفت النظر إلى أن البنى التحتية في العاصمة ومحيطها “لم تشهد عمليات صيانة فعلية منذ نحو 8 سنوات. بل قَبَضَ بعض المتعهّدين أموالاً بحجّة إجراء الصيانة للبنى التحتية، لكنهم ركّزوا جهودهم على مناطق معيّنة تعتبر نقاط ضعف، وأهملوا باقي المناطق”. وتنفي المصادر أن تكون الأزمة الاقتصادية والمالية التي تصيب البلاد منذ نحو 4 سنوات، هي العامل الوحيد الذي أدّى إلى عدم إنجاز الأشغال بصورة صحيحة. وبرأيها هناك تكامل بين “غياب الأموال والفساد”. وتعتبر المصادر أن متعهّدي الأشغال يفترض بهم إجراء أشغالهم على الطرقات وأقنية التصريف، بدءاً من شهر تموز، ثم في شهر أيلول، ومعالجة مواطن الخلل والضعف قبل فترة أشهر كانون الأول وكانون الثاني وشباط”.
“الحلول سهلة وتحتاج إلى أموال وإدارة”، تقول المصادر. وبغياب هذين العنصرين، بالإضافة إلى “توقّع استمرار هطول أمطار بمعدّلات مرتفعة.. من المنتظر أن نشهد فيضانات أخرى”.
هي مشاكل متداخلة تتجمّع خيوطها المتشعّبة عند نقطة الفساد. وبما أن بنى الإصلاح غير متوّفرة، ستبقى البنى التحتية للمرافق العامة غير مستعدة لمواجهة العوامل الطبيعية. لكن الأزمة الكبرى تبقى في ما يخبِّئه المستقبل مع تهالك تلك البنى مع مرور الوقت.
المصدر: خضر حسان- المدن