“تعيشو وتاكلو غيرا… رحم الله شمعون وإده والجميّل”!
لم تكن جلسة مجلس الوزراء، كسابقاتها من حيث تصريف الأعمال في زمن الشغور الرئاسي، لأن ما حصل فيها من ردٍ لثلاثة قوانين صادرة عن المجلس النيابي، قد تخطّى كل الحدود وأثار استياءً واسعاً، كونه يُنذر بالتحوّل إلى سابقة، تُجيز من الآن وصاعداً لحكومة تصريف الأعمال، أن تصادر كل صلاحيات رئيس الجمهورية.
في المقابل، بدا لافتاً ومستغرباً، إنكفاء وتلاشي قوة الكتل النيابية المسيحية، واكتفاءها بتغريداتٍ خجولة صدرت عن بعض النواب، لكنها لم تذهب إلى حدود رفع السقف أو عقد مؤتمرات صحافية مندّدة بالسطو على صلاحيات الرئيس المسيحي.
وقد يكون هذا الواقع، هو الذي دفع بالرئيس نجيب ميقاتي لأن يتجرأ على ارتكاب سابقة خطيرة، لإدراكه أن الظرف مناسب للتعدّي على صلاحيات رئيس البلاد، من دون أي اعتراض.
والمتابعُ للخطوة، ولمسار “الطبخة” داخل مجلس الوزراء، يدرك أن اتفاقاً ثلاثياً ضمنياً قد حصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري، وميقاتي، والنائب السابق وليد جنبلاط، وبغطاءٍ أو قلة إدراك من وزراء مسيحيين بالإسم وعلى الهوية فقط، لا يدرون ماذا يفعلون.
فكان أن وقعت الواقعة و”لَهَطَ” الجميع صلاحيةً لرئيس الجمهورية، وفي لحظةٍ أكثر من مناسبة، ولأسبابٍ متعددة.
فأيّ زعيم سيعترض والجميع مُنهك؟ وأيّ وزير سيعترض والوزراء المسيحيون لا يملكون أي غطاءٍ شعبي، وبالكاد يعرفهم المواطنون.
أمّا “التخريجة” لتمرير هذه العملية فكانت وفق الآتي: وزير التربية عباس الحلبي يعترض على القوانين، الرئيس ميقاتي يدقّ ناقوس الخطر: العام الدراسي سيطير، الطلاب سيصبحون بلا مدارس، المدارس مهدّدة بالإقفال.
في المقابل، يؤيد وزراء “الثنائي الشيعي” إعتراض الحلبي، ويسكت الوزراء المسيحيون ولا يعترضون، وتتمّ الصفقة.
لم يعترض وزيرٌ واحد من حركة “أمل” أو “حزب الله”، كما لم يرفع الصوت أي وزيرٍ مسيحي باستثناء وزير الإتصالات جوني القرم، فيما اعترض وزير سنّي واحد، هو وزير الصحة فراس الأبيض.
أمّا النجم البارع الذي خطف الأضواء في الجلسة، فكان الوزير الحلبي، الذي قال في الأسبوعين الماضيين، كلاماً مغايراً لما تحدث به في جلسة الأمس. فهو أعلن خارج مجلس الوزراء، أن القوانين الثلاثة نافذة، بينما طالب في الداخل، بردّها إلى مجلس النواب.
والنتيجة المؤسفة لما حصل في الجلسة، عبّر عنها بكل صراحة ووضوح، أحد الفقهاء في قوله للكتل المسيحية: “تعيشو وتاكلو غيرها. الله يرحم كميل شمعون وريمون إده وبيار الجميل. الزمن تغيّر. إنه زمن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي طلب من وزير التربية استخدام “صلاحية” رئيس الجمهورية، وردّ قانوني التعويضات! رحم الله البطريرك مار نصرالله بطرس صفير”.