لا خوف على الدولار.. هذا جديد منصّة بلومبرغ!
قفز ملفّ منصّة “Bloomberg إلى دائرة التدوال من جديد، بعد تأجيل إطلاقها منذ تشرين الثاني الماضي، غداة الحرب على غزة واشتعال الجبهة الجنوبيّة. كان يفترض أنّ تبصر المنصّة الموعودة النورَ، نهاية العام الماضي، لتشكّل قاعدةً للتدوال النقدي بيعًا وشراءً، بدءًا من سعر 89500 ليرة للدولار، تحت مسمّى “منصّة مصرف لبنان” بالتعاون مع “بلومبرغ” كحاضنة إلكترونية. لكن رغم تحضيرات المركزي، لم تُطلق المنصّة، فما الذي حال دون ذلك، وهل انتفت اليوم أسباب التريث بالعمل بموجبها؟ وهل السير بها، وما تتطلبه من تحرير سعر الصرف في ظلّ الوضع الراهن أمنيًا وماليًا، سيطيح بالاستقرار القائم في بورصة الدولار؟
هدف المنصّة: تحرير سعر الصرف
الهدف المباشر من المنصّة يكمن في الوصول إلى سعر صرف واحد وحقيقي، يعكس حجم العرض والطلب في السوق، ترجمةً للاتفاق المبدئي الذي وقّعه لبنان مع صندوق النقد الدولي عام 2022. وبالفعل عمل مصرف لبنان في الربع الأخير من العام الماضي، على تجهيز الأرضيّة التقنيّة لإطلاقها، من خلال تدريب الكادر البشري في المصارف والمؤسسات الماليّة، وأصدر تعميمًا في كانون الثاني الماضي داعيًا “كل المصارف أن تتواصل مع الشركة من خلال ممثليها الإقليميين للاشتراك والبدء والتحضير للمشاركة في التدريب، الذي سيمكّنهم لاحقًا من العمل ضمن شروط التعليم ذات الصلة” تمهيدًا “لفتح الباب أمام المشتركين في المنصة للعمل كصنّاع سوق Makers عبر التدخّل شارين او بائعين لمصلحة زبائنهم، وفقا للتعاميم التي ستصدر عن مصرف لبنان وتحدد شروط وآليات العمل، وذلك بالتزامن مع بدء عملية التسعير على منصة Bloomberg الإلكترونية”. بناءً على التوافق بين مصرف لبنان والحكومة اللبنانية على اعتماد Bloomberg كمنصّة الكترونية للتداول في سوق القطع.
المنصّة والإصلاحات معًا
“كان يُفترض أن يتمّ العمل بالمنصّة قبل الحرب على غزة، ولكن ليس بشكل منفرد، بل بالتزامن مع إقرار منظومة تشريعيّة تواكب إطلاقها، تبدأ بقانون الكابيتال كونترول، وقانون إعادة هيكلة المصارف، وصولًا إلى إقرر الخطّة الإنقاذيّة، بما في ذلك كيفية توزيع الخسائر وإعادة الودائع. لكن ذلك لم يحصل، من هنا لن يكون هناك وظيفة فعليّة للمنصة اليوم، بغياب القوانين المذكورة وبظلّ عدم إقرار خطّة التعافي” يقول الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش في اتصال مع لـ “لبنان 24″،وإذ يلفت إلى الوظيفة الأساسيّة للمنصّة الموعودة، وهي تحقيقالشفافية، يرى أنّه في ظلّ الواقع الراهن، حتّى لو توافرت الشفافية في تحديد وتوحيد سعر الصرف، في حال بقي هناك تعدّد في أسعار الصرف بين دولار الودائع ودولار المنصّة، لن يُحدث العمل بالمنصّة فارقًا يُذكر، كون وظيفتها تكمن في الشفافيّة في تحديد سعر الصرف وليس تثبيته، على خلاف ما زال يفعله مصرف لبنان، الذي عمل في الآونة الأخيرة على توحيد سعر الصرف، مكرّرًا الخطأ السابق نفسه. فالدول التي تعاني من أزمة نقديّة واقتصاديّة لا يمكن لها أن تعمل على تثبيت سعر الصرف، لأنهّا في هذه الحال ستتكبّد أكلافَ دعم العملة الوطنيّة، تمامًا كما حصل في لبنان خلال الفترات الماليّة السابقة، عبر دعم الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان ودعم السلع وكلّ المحروقات والأدوية، وهو ما أدّى إلى خسارة معظم الودائع وانهيار كامل القطاع المصرفي، وصولًا إلى تخلّف الدولة عن دفع سندات اليوروبوند. وإذا كنّا سنعود اليوم لاعتماد النهج نفسه عبر تثبيت سعر الصرف، سيقودنا ذلك حتمًا إلى المشكلة نفسها، بعد فترة من الزمن”.
منصّة بلومبرغ حاليًّا بلا فائدة
لا جدوى من إطلاق منصّة بلومبرغ، إذا لم تترافق مع إقرار القوانين الإصلاحيّة، وفق عكوش “في الفترة الفاصلة عن إقرار القوانين، يمكن أن يعمدوا إلى تجهيز الأرضيّة المناسبة، عبر تدريب الكادر البشري، لاسيّما وأنّ المصارف والصرافين من الفئة الأولى هم شركاء في العملية. ولا أعتقد أنّ المركزي سيعمد إلى إطلاق المنصّة قبل بلورة صورة واضحة عن مصير القوانين والخطط”.
يستبعد عكوش أن ينتج عن إطلاق منصّة “بلومبرغ” اضطراب في سعر صرف الدولار، بعد أكثر من ثمانية أشهر على الاستقرار “ستؤثر القوانين المفترض أن تقرّ على سعر الصرف، كونها ستحدث ضغوطات في السوق إمّا طلبًا أو عرضًا، فإقرار الكابيتال كونترول سيترجم في السوق بمدّه بالدولار أو بالليرة. ما عدا ذلك ليس هناك من أمور ضاغطة على سعر الصرف،طالما أنّ الحكومة ملتزمة بالموازنة، والمركزي عمل على ضبط الكتلة النقديّة وامتصاصها في السوق، ساعده في ذلك، الدولار الجمركي، وزيادة الضرائب والرسوم في موازنة 2024، كما أنّ الحساب رقم 36 في مصرف لبنان المعروف بحساب الخزينة العامة ارتفع بشكل كبير، وتجاوزت ودائع القطاع العام في المركزي 300 تريليون ليرة. بالتالي فإنّ حجم الكتلة النقدية في السوق، والبالغة قرابة 60 تريليون ليرة، ضئيلٌ جدًّا، قياسًا بودائع القطاع العام وحاجة السوق من الكتلة النقدية. أمّا إذا تمّ إقرار زيادة في رواتب القطاع العام في موازنة 2025، من شأن ذلك أن يرفع من حجم الكتلة النقديّة الموجودة، ويشكّل ضغطًا على سعر الصرف”.
بالمحصّلة إطلاق المنصّة اليوم لن يقدّم أو يؤخّر وفق عكوش، ولا يمكن الحديث عن إيجابيات أو سلبيات لها، بظل الخلل الدستوري الراهن، وعدم التشريع، أمّا إذا أقّرت الإصلاحات يصبح لزامًا وجود وكالة مستقلّة، تحدّد سعر الصرف بكل شفافيّة، وتعكس مدى ارتداد الإصلاحات على السوق.