نجم الذهب يشعّ: نشتري أم نبيع؟
سجّل المعدن الأصفر مسارًا تصاعديًّا لافتًا خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث ارتفع سعره بما يتجاوز الـ 100% منذ العام 2014، ووصل إلى مستويات تاريخيّة غير مسبوقة، بتخطّيه عتبة الـ 2500 دولار أميركي للأونصة. خلال العقد الأخير، أثبت الذهب نفسه كملاذٍ آمن، في عالم تستعر أزماته وتتّسع دائرة صراعات دوله وأقاليمه. وحيال المشهديّة المضطربة يرسم خبراء التحليل المالي، سيناريوهات عدّة، إذ يتوقّع بعضهم أن يحلّق الذهب أكثر خلال الفترة ما بين 2024 – 2030، ليصل إلى عتبة 4000 دولار اميركي. بالمقابل، وفي المدى الزمني القصير، شهدت أسعار الذهب تراجعًا ملحوظًا خلال تداولات الثلاثاء في السادس من آب الحالي، بنسبة 0.2%، حيث فقدت أكثر من 21 دولارًا من قيمتها، لتهبط دون مستويات 2400 دولار للأونصة، وهو أدنى مستوى وصلته منذ 26 تموز الماضي، وذلك بفعل تعافي مؤشّر الدولار الاميركي في التعاملات وارتفاعه نحو 0.3%، كما ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات، الأمر الذي أضعف الطلب على الذهب.
فما هي السيناريوهات المحتملة في الأسابيع والأشهر المقبلة، وهل الوقت ملائمًا لشراء الذهب أم لبيعه؟
يشهد الذهب مستويات تاريخية، مدفوعة بتطوّرات الجغرافيا السياسيّة المتوتّرة، والتضخم، ومعدلات البطالة، وأسعار أسهم مضخّمة وفق التحليل الاساسي، وتوقّعات برفع أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي، يقول الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش في حديث لـ ” لبنان 24″ لافتًا إلى أنّ العومل المذكورة مؤثّرة جدًا في تحرّك أسعار الذهب، فضلًا عن العامل الطبيعي المتمثّل بقاعدة العرض والطلب، والذي برز بشكل واضح مع إقبال المصارف المركزية على تنويع احتياطاتها الموجودة لديها، فزادت من حصّة الذهب، وخاصة الصين والهند وبولندا.
تأثير قرار الفيدرالي الأميركي والصراعات
أمّا بالنسبة لأداء الذهب مستقبلًا، فيلفت عكوش إلى سيناريوهات عدّة محتملة خلال الفترة المقبلة، تتغير وفق عوامل عدّة، لا بدّ من رصدها. أبرزها قرار الفيدرالي الاميركي المتوقع في أيلول المقبل “إذا قرر رفع الفائدة، وهو أمر متوقّع، فقد يتعرّض الذهب لضغوط، كونه لا ينتج أيّ عائد، وقد يصبح عندها أقلّ جاذبيّة للمستثمرين، مقارنة بالأصول المدرّة للعوائد. أمّا إذا قرر الفيدرالي الأميركي تثبيت الفائدة فقد يبقى الذهب في مستوياته المرتفعة، وربما يرتفع أكثر، بسبب القلق المستمر بشأن التضخم ونسب البطالة المرتفعة وعدم اليقين الاقتصادي”.
عامل آخر يفعل فعله في مسار المعدن الأصفر، هو العامل الجيوسياسي ” إذا استمرت حدّة التوترات الجيوسياسيّة، واستعرت الأزمات في المناطق التي تشهد نزاعات، لا سيّما في اوكرانيا والشرق الاوسط، أو في مناطق أخرى،فإنّ الذهب سيظلّ ملاذًا آمنًا، وسيستمر في الارتفاع. أمّا في حال حدوث تطوّرات إيجابيّة لجهة انخفاض المخاطر الجيوسياسيّة، عندها قد يشهد الذهب بعض التصحيح في الأسعار”.
التضخّم والبطالة
هناك عوامل أخرى مؤثّرة “ارتفاع معدلات التضخم عالميًا قد يدفع المستثمرين إلى الذهب كوسيلة للتحوّط، مما يزيد من سعره. وفي حال تراجع التضخم بشكل ملموس، قد يقلّ الطلب على الذهب، ويتراجع سعره. كما أنّ ارتفاع معدلات البطالة وطلبات الإعانة يعدّ مؤشرًّا أساسيَّا حيال إمكانيّة الذهاب نحو ركود اقتصادي كبير، من شأنه أن يهدّد الكثير من الشركات والمنشآت الاقتصادية، الأمر الذي يخلق حالة من عدم اليقين، بالنسبة لمعدّلات النمو وتحقيق عوائد مقبولة، ويمكن أن يؤدي بالتالي إلى الذهاب نحو التخلّص من هذه الاصول الخطرة لصالح أصول آمنة، لاسيّما الذهب” .
بظل توصيف عكوش للعوامل المتحكّمة في رسم بورصة الذهب هبوطًا أم صعودًا هل ينصح في الزمن الحالي بشراء الذهب أم ببيعه؟
“إذا كنت مستثمرًا على المدى القصير، وتبحث عن الربح السريع، قد يكون من الأفضل مراقبة تطورات قرار الفيدرالي الأميركي، وأخبار الجغرافيا السياسية عن كثب. إذا لاحظت ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار بعد إعلان الفيدرالي قراره، أو بعد تصاعد التوترات، قد يكون هذا وقتًا مناسبًا للبيع،لتحقيق الأرباح .أمّا إذا كنت مستثمرًا على المدى الطويل، وترى أنّ الذهب هو ملاذ آمن وسط عدم اليقين العالمي، قد يكون من الأفضل الاحتفاظ بالذهب أو حتّى شراء المزيد منه عند حدوث أيّ تصحيح للأسعار، كون الظروف الجيوسياسيّة والاقتصاديّة غير مستقرّة، وقد تدعم الذهب على المدى الطويل”.
قد يتأرجح الذهب صعودًا أو هبوطًا، على وقع التطورات وبلورة نتائجها نحو تسويات أو أزمات وحروب طويلة المدى، لكن في مطلق الأحوال، يستمدّ المعدن الأصفر قيمته من ثبات خصائصه كمعدن لا يفقد قيمته مع الزمن، كما أنّه يتربّع على قائمة أفضل أصول الملاذ الآمن نظرًا لشح المعروض، على عكس العملات التي يمكن طباعتها في أي وقت، من هنا يلعب الذهب دورًا أساسيًّا في حماية المدّخرات وتنويع المحافظ الاستثماريّة وتقليل المخاطر.
لبنان 24