رسالة مفتوحة إلى سمير جعجع..
رسالة مفتوحة إلى سمير جعجع..
لأننا كابدنا الظلم وخبرناه وعرفناه، ولأننا نعرف الحقّ ونعرف أهله، ولأن ذاكراتنا ليست مقلوبة ولا مثقوبة، ولأن الإنصاف يفرض علينا أن نقول في سمير جعجع ما ينبغي وما يستحق ليس انطلاقاً من حاجته لقولنا، بل انسجاماً مع قيمنا وأصولنا ووطنيتنا العميقة التي سنبني فوقها لبناننا الجديد.
عشرون عاماً وسمير جعجع لا يحيد عن خطابه قيد أنملة. كان واضحاً منذ بداية البدايات. وقد انجرفنا جميعاً خلف وضوحه وقدرته على بلورة الموقف الصلب بلا خطب ودٍ أو تدوير زاوية. وجدنا فيه ضالتنا حين انعطف الجميع نحو براغماتية لعينة فُرضت عليهم بالقوة أو بالخوف. كنا وقتذاك بلا صوت وبلا حيلة فوقف حيث يجب أن يقف وكان وقوفه ملء العين والخاطر.
لا يستحقّ سمير جعجع إلا أن نبادله الوفاء وهو يتعرّض لواحدة من أشرس حملات التخوين على الإطلاق. قد نختلف معه حول ألف تفصيل وتفصيل. قد نفترق في اليوميات وفي التكتيك وفي صغائر الممارسات أو كبائر الاستحقاقات. لكننا نجتمع معه حول ما يجب علينا أن نجتمع عليه.
سمير جعجع دَفَعَ منفرداً ثمن الحرب الأهلية التي تذابح فيها كبار القوم وصغارهم، لكن أحداً من هؤلاء لم يقف أمام محقّق أو ينَم في زنزانة. جميعهم صاروا بين ليلة وضحاها حماة الديار ورجال الدولة وأهل الحل والعقد. ثم حين ترجّل من سجنه كانت لديه شجاعة الاعتراف والاعتذار من كل اللبنانيين عن حرب فُرضت عليه كما فُرضت علينا، قبل أن يعود ويرفع مشروعه ومشروعيته الشعبية والسياسية والوطنية من الانسحاق التام إلى أكبر كتلة في المجلس النيابي.
نقول هذا ونكرّره لإنعاش الذاكرة، وحتى لا يأكل الفاجر مال التاجر. فالجميع يعلم هذا الكلام ويدركه، لكن قلة قليلة منهم تمتلك شجاعة الاعتراف وقلّة قليلة أيضاً تمتلك شجاعة القول إن أحداً في الدنيا لا يحقّ له أن يطعن هذا الرجل في خلفيته الوطنية، فكيف إذا كان الطاعن هو “حزب الله”، الذي ما برح يفاخر بعمالته وتبعيته وارتصافه بمشروع شيطاني مدمّر وعابر للجغرافيا والخرائط، وها هو يأخذ البلاد بمن فيها نحو جحيم بلا قرار. أمثال هؤلاء وصبيانهم وكتّابهم وجيوشهم الإلكترونية عليهم أن يصمتوا، لأنهم آخر من يحق لهم أن ينتقدوا هذا أو يخوّنوا ذاك.
ولا بأس هنا من الإعادة مرّة ومرّتين وألف مرة، سمير جعجع رفيق دربنا شريكنا المستدام في الحياة الوطنية وعنوان بارز من عناوين لبنانيتنا العميقة وعين من عيوننا الساهرة بوجه المخارز القاتلة. وضعنا اليد في يده ونحن تحت جبل من الجثث وفوق بحر من الدم. علاقتنا به لا تخضع لحسابات القيل والقال ومشروعيّته السياسية لا تنبثق من غطاء نضعه متى شئنا فوق رأسه أو ننزعه. المسألة ليست بهذه الخفّة وهذه البساطة والتسطيح ومن كان يظن لبرهة أنه قادر على ذلك، فهو واهم ومحدود ومشتبه.
غالبٌ هو العقل في هذا النص وغالبٌ هو المنطق ليس ثمّة مكانة للعاطفة أو التصوّرات المسبقة وإن كان لا بد من خلاصة أو رسالة مفتوحة، فهي موجّهة حصراً إلى سمير جعجع، نقول له فيها بلساننا ولسان الغالبية الغالبة من اللبنانيين المُتعبين: “أنت، وبكلّ ما أوتيت من صبر ومن قوة، ممنوعٌ عليك أن تميل، لأن ثمّة من يؤمن بك ويتّكئ عليك.
قاسم يوسف-نداء الوطن