اخبار محلية

بو حبيب: مصلحة لبنان عدم الانسياق “الأعمى” وراء العداوات المجانية

شارك وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب في اللقاء الحواري مع جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية في بيروت حول “سياسة لبنان الخارجية بين الواقع والمرتجى”، الذي عقد مساء اليوم، في مركز الجمعية في الصنائع.

وقال بوحبيب: “تحيّة من القلب للمقاصد المتجذرة في عاصمتنا بيروت، منارة الشرق ونموذج العيش المشترك. فهذه المؤسسة العريقة حملت الإعتدال لواء وشكلت بمسيرتها نقيضا للتطرف والتعصب الأعمى،كما تميزت بدفاعها عن المرأة، فاحتضنت قضيتها ورسالتها السامية بتربية الأجيال وصناعة المستقبل”.

أضاف: “أتيت إليكم اليوم لأتحدث عن سياسة لبنان الخارجية. أجدنا نعيش وسط صفائح سياسيّة دولية وإقليمية متصارعة ومتناحرة تنعكس علينا وعلى سياستنا الخارجية والداخلية. إن فهمنا لطبيعة الصراعات والمنافسات الدولية والإقليمية قد يساعدنا على فهم الممكن وغير الممكن في سياسة لبنان الخارجية، وأي لبنان نريده وطنا نهائيا لجميع أبنائه على اختلاف وتنوع ميولهم وطموحاتهم”.

وتابع: “على المسرح الدولي، يعيش عالمنا حالة تحول واضطراب. فبعد ان ثبتت نهاية الحرب الباردة في العقد الأخير من القرن الماضي الأحادية العالمية، وانهارت الشيوعية وتفككت دولها وانشطرت إلى دويلات، بدأنا نشهد تدريجيا مع بداية القرن الحالي تحرك مركز الثقل الجيو-سياسي من موقعه الحالي فوق منطقة الأطلسي، حيث عصفت الحرب الباردة بين المعسكرين الأميركي والشيوعي وحلفائهما، باتجاه منطقة المحيط الهادئ، حيث المنافسة الأميركية-الغربية مع النفوذ الصيني الآخذ في التشكل والصعود ببطء، ولكن بثبات. ولكي لا تأخذنا مخيلتنا إلى عالم متعدد الأقطاب في المدى المنظور، فإن دروس التاريخ علمتنا أن التحولات السياسية الكبرى، وتكوين نظام عالمي جديد يكون نتيجة صدامات واحتكاكات”.

واردف: “إن الحربين العالميتين الأولى والثانية، خير دليل على ذلك. لذلك، من المبكر القفز إلى استنتاجات متسرعة حول طبيعة وتشكل نظام عالمي جديد، لا نعلم ولا نعرف طبيعته ونتائجه وتغيراته لغاية الآن، ولكن مما لا شك فيه بأن الحرب الأوكرانية زادت من تصدع النظام العالمي الحالي وأنتجت أزمتي الأمن الغذائي والطاقة، وتضخما عالميا في الأسعار، مما يهدد تعافي الاقتصاد العالمي”.

وتابع: “كما أنهكت عالمنا جائحة كورونا، وأثبت كل ذلك بما لا يقبل الشك أنه في ظل العولمة، تشكّل الأحداث والتطوّرات الخارجية والداخلية وجهين لعملة واحدة، تتأثران وتؤثران ببعضهما البعض”.

وسأل: “أين لبنان من كل هذه التطورات؟ وكيف تعامل مع هذه الأحداث والتغييرات؟”.

وقال: “رغم كل التحديات الداخلية، أخذ لبنان موقفا متميزا في بداية الحرب الأوكرانية عبر فيه عن قيمه وانطلاقا من تاريخه المرير مع الاحتلال والغزو، دان لبنان بوضوح وصراحة العدوان، ليس من باب العداء لروسيا التي تربطنا بها علاقة صداقة تاريخية، بل كان موقفا مبدئيا بسبب ما عاناه من احتلال اسرائيلي متكرر، ووجود جيوش أجنبية على أرضه برضى بعض أبنائه، ورغما عن إرادة بعضهم الآخر”.

أضاف: “وكما سجل العالم للبنان وقوفه الصريح ضد غزو الكويت عام 1990، كذلك استطعنا أن نسجل موقفا تاريخيا متميزا عن كل محيطنا، حيث كنا السباقين في موقف سياسي لا لبس فيه، بعدم اللجوء الى الوسائل العسكرية لحل النزاعات السياسية الواجب معالجتها بالحوار والطرق الديبلوماسية. وفي الإطار نفسه، عندما بدأنا نشعر بأن هناك توجها لعزل روسيا دوليا وطردها أو تعليق عضويتها في المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة، بادرنا إلى اقتراح عدم تسييس عمل المنظمات الدولية والإقليمية. وتلقف أشقاؤنا العرب هذا الاقتراح، وصدرت بموجبه توصية عربية جامعة بهذا الشأن، استعنا بها أيضا لتسجيل موقفنا المبدئي الرافض للعزل والاقصاء، والداعي للحوار لإيجاد المخارج المشرفة”.

وتابع: “تجربة الماضي، بعزل المانيا بعد الحرب العالمية الاولى أدت الى فشل عصبة الأمم في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، مما عَبَد الطريق وساهم في تراكم المشاكل، وصولا إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وما تبعها من ويلات”.

وقال: “من العالم، ندخل إلى المسرح الإقليمي الذي تعصف به اصطفافات مخيفة وتنذر بأشد العواقب، فالصراعات المفتوحة في الإقليم تشكل ساحات للتدخلات الأجنبية. إن الحل المستدام لهذه النزاعات يحتم أن يكون صناعة عربية، لا سيما في سوريا، واليمن وليبيا. فلم الشمل مصلحة مشتركة للعرب عموما، ولبنان خصوصا، البلد الذي يتأثر سلبا بتداعيات الوضع العربي المعقد والمشتت في حالته الراهنة. ستبقى فلسطين القضية المركزية ومفتاح الاستقرار في منطقتنا المضطربة. فلا حلول مستدامة، ولا سلام شاملا من دون حل عادل للمأساة الفلسطينينة، فإسرائيل تعيش اليوم لحظاتها الأكثر تطرفا وجموحا، وتمعن في توسيع مستوطناتها. كما تسعى إسرائيل الى صب الزيت على النار لتلعب دور حارس الإقليم، وضابط الأمن”.

وأضاف: “لكل هذه التعقيدات في الإقليم آثارها على واقع لبنان السياسي والاقتصادي، والاجتماعي. إن مصلحة لبنان عدم الانسياق الاعمى وراء العداوات المجانية، التي سترتد علينا جميعا خسارة موجعة، عندما يحين زمن التسويات السياسية.

وزاد، “ونتوسم خيرا اليوم ببشائر تبريد أحد أخطر الصراعات في الإقليم. لقد رحبنا بالاتفاق السعودي – الإيراني لإعادة إحياء العلاقات الديبلوماسية الثنائية، نظرا إلى ما سيتركه من أثر إيجابي على مجمل العلاقات الاقليمية في المرحلة المقبلة. وعليه، ينعقد الأمل في المساهمة بتعزيز ركائز الاستقرار والأمن في المنطقة، وتوطيد التعاون الإيجابي البناء والمنفعة المتوقعة منه على الجميع”.

وأكمل، “على مستوى علاقاتنا العربية، نسعى جاهدين ليكون لبنان حاضرا في قلب العرب وعقلهم، ونعمل جاهدين لحضور عربي فاعل في بلدنا. وقد يقول البعض إن للعودة شروطها وهي معروفة ومعلومة، وترتبط بما يجري في الإقليم، نحن نتفهم وجهة نظرهم، ونأمل أن يصل اللبنانيون جميعا، مؤسسات ومجموعات، إلى رؤية موحدة تساعد على هذه العودة، ومدخلها المبادرة الأخوية الكويتية لوصل ما انقطع، والتي تلقفناها بكل ترحاب ونعمل جاهدين على تطبيق بنودها، لكننا في الوقت نفسه”.

وقال: “نلفت انتباه الجميع إلى أن الديموقراطية التوافقية التي ارتضاها اللبنانيون نظاما للحكم، اعترفت بتنوع لبنان ضمن وحدة الكيان، فالقرارات الأساسية في لبنان نتاج توافق داخلي، وهي مرآة لطبيعة نظامنا السياسي، فلا مركزية أو حصرية في الصلاحيات والقرارات لأي جهة بمفردها خارج إطار التشاور والتوافق”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى