اخبار محلية

ماذا بعد 14 حزيران؟

هل يمكن اعتبار يوم 14 حزيران تاريخًا عاديًا في حياة اللبنانيين، أم هو محطة من بين المحطّات الرئيسية، التي يمكن التأسيس عليها لمرحلة جديدة في المعادلة السياسية الحالية القائمة على نوع من التوازنات الهشّة، التي تطبع الحياة السياسية في لبنان؟ 

صحيح أن ما تمّ رصده في الجلسة الانتخابية الثانية عشرة من مواقف ومن فرز لها قد أصبح وراءنا كحدث بحدّ ذاته، ولكن الصحيح أيضًا أن ما تخلّل هذه الجلسة من معطيات جديدة يُفترض أن تكون حافزًا لجميع الأفرقاء لقراءة هذه المعطيات بعقل بارد بعيدًا عن التشنجات، التي سبقت وتلت جلسة المنازلة، التي انتهت بتعادل سلبي من حيث النتائج. 
وهذه القراءة وإن لم تستند إلى الواقع المأزوم، الذي تعيشه البلاد بكل تفاصيله، فإن أي مقاربة مستقبلية سيكون مآلها الحتمي شبيهًا بالجو العام، الذي طبع وقائع الجلسة الثانية عشرة، وهو جو لا يمكن المراهنة عليه كثيرًا لكي يخرج الجميع من عنق زجاجة الأزمات المتراكمة والمتوالدة من رحم انعدام عامل الثقة بين مكونات الوطن، بما فيها من تعقيدات ومشاكل بنيوية. 

فسواء انقسم اللبنانيون بين فريقين بالحدّ الأدنى أو ثلاثة فإن تكبير حجر المواقف المتشنجة سيدفع بهم إلى القعر شيئًا فشيئًا، حيث تصبح عملية الانقاذ من الغرق صعبة، إن لم نقل مستحيلة، مع ما يعنيه هذا الغرق في طوفان الأنانية والشخصانية من نتائج كارثية ستطال الجميع من دون استثناء.
فوقائع “جلسة الأحجام” أثبتت مرّة جديدة أن لا أحد، ومهما تعاظمت قوته بفائضها المستعار، يمكنه أن يلغي شريكه الآخر في المواطنية، ولا في استطاعة أحد أيضًا أن يفرض رأيه على الآخرين المفترض أن يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات، وذلك بغض النظر عن صوابية هذا الرأي أو عدمه.
قد نرى أنفسنا ملزمين على المجاهرة بالقول بأن جميع الأفرقاء السياسيين على خطأ في التوجهات والممارسة، وكل منهم على قدر حجمه ودوره ومسؤولياته. ولو لم تكن تلك الأخطاء جماعية من حيث التشارك في المسؤولية لما وصلت حال البلاد إلى حيث وصلت إليه من اهتراء في مؤسسات الدولة، حيث كان لكل فريق من هؤلاء الأفرقاء السياسيين دور سلبي في تعاطيهم بالشأن العام من منطلق منافع شخصية، حيث اعتبر الجميع، باستثناء قلّة محدودة، أن الدولة هي بمثابة “بقرة حلوب”، وأن المال العام “رزقًا سائبًا”.
فبهذه العقلية “المافياوية” أديرت مؤسسات الدولة. وبهذه النفسية الانتهازية تمّ تقاسم “قالب الجبنة”. وبهذه الروحية، التي لا تقيم وزنًا للمبادئ والأخلاق، سُرقت أموال الناس وجنى السنين. وبهذه الخفّة يتمّ اغتيال الوطن كل يوم بما يرمز إليه رئيسه المغيّب قسرًا من وحدة مفترضة لشعب تتقاسمه الأهواء وتلاطمه الأمواج من كل حدب وصوب.
فما سبق جلسة “أربعاء الشعب الصابر كأيوب” سمعنا الكثير من الكلام النظري حول الحوار والتوافق. أمّا عمليًا فإن هذه الجلسة وما تمخّضت عنه قد كرّست منطق الانقسامين العمودي والأفقي. فالحوار يعني الذهاب إلى طاولته تمامًا كمن يذهب لتقديم القرابين، أي أن يكون قلبه صافيًا من كل الأحقاد، وأن يكون ضميره منقىً من كل ما علق به من شرّ مستطير، وأن يكون عقله منفتحًا على ما يمكن أن يقوله الفريق الآخر، وأن يكون لديه الاستعداد لمناقشة كل الخيارات المحتملة، وأن يتحّلى بفضيلة التواضع، وأن يتجرّد من كل الأفكار المسبقة، وأن يتنازل قليلًا عن مبالغته في تخوين الآخرين، وأن تكون لديه قابلية تقبّل الرأي الآخر.
أمّا إذا كان من يدعو إلى الحوار، أيًّا يكن الداعي، ذاهبًا وفي نيته دفع الآخرين إلى التنازل عن شروطه ومطالبه، فلا يعود الحوار حوارًا حضاريًا، بل يصبح “حوار طرشان”. وعندها فإن النتيجة معروفة، وهي المزيد من تعميق الجراح، والمزيد من صبّ الملح عليها.

لبنان 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى