بين فرنجية وعون… شرح يطول
مجرد طلب الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان التمديد لقائد الجيش فهمه جميع الذين التقاهم، انّ اللجنة الخماسية العربية ـ الدولية التي جاء ممثلاً لها في جولته، حسبما ابلغ الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تؤيّد بقاء عون في قيادة الجيش، وكذلك تؤيّد وصوله إلى رئاسة الجمهورية كـ”مرشح توافقي”، لا تخفي البطريركية المارونية وفريق المعارضة تأييدها له، وهو ما يرفضه التيار الوطني الحر بشدة، فيما لم يُسجّل أي تأييد علني لعون في اوساط «الثنائي الشيعي» وحلفائه الذين كانوا وما زالوا يتمسّكون بدعم ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الى درجة انّ اوساطهم تؤكّد انّهم باتوا أكثر تمسكاً بدعمه في ظلّ ما جرى ويجري في غزة وعلى حدود لبنان الجنوبية.
في رأي بعض الذين التقوا لودريان، انّ جولته كرّست بنحو او بآخر معركة انتخابات رئاسة الجمهورية بين فرنجية وعون، وأسقطت بقية الترشيحات الجدّي منها وغير الجدّي، فمثلما يحتاج فرنجية لنصاب اكثرية الثلثين لضمان فوزه بالرئاسة بأكثرية مرموقة او بالأكثرية المطلقة في دورتي الاقتراع، فإنّ الامر نفسه ينطبق على عون، مع فارق اكثرية الثلثين اذا توافرت له فأنّ عليها بداية إجراء التعديل الدستوري الذي يجيز انتخابه قبل الشروع في اي عملية انتخابية لأنّ ليس هناك اي نية لاعتماد السابقة التي انتخبت بها الرئيس ميشال سليمان، فيما كان على رأس وظيفته كقائد للجيش عام 2008، وهي خطوة كان يمكن في ذلك الحين الطعن بها امام
المجلس الدستوري لأنّها انطوت على مخالفة دستورية واضحة، وقد غطّاها يومها التوافق السياسي الداخلي والاقليمي ـ الدولي الذي انتج ما سُمّي «اتفاق الدوحة» عام 2008 الذي انعقد بفعل أحداث امنية خطيرة شهدها لبنان في تلك الايام.
على انّه حتى ولو استقرّ الإستحقاق الرئاسي على التنافس بين فرنجية وعون، فإنّ الشروع في الانتخاب لن يحصل اذا لم يتمّ التعديل المطلوب لتشريع انتخاب عون، ما يطرح السؤال عن مدى امكانية توافر اكثرية الثلثين النيابية لهذه الغاية قبل انعقاد جلسة الانتخاب في ظلّ رفض التيار الوطني الحر ترشيح عون، وكذلك ترشيح فرنجية، علماً انّ كتلاً اخرى ترفض إجراء مثل هذا التعديل، ولا تتأثر بأي «قوة قاهرة» داخلية او خارجية يمكن ان تحاول إجبارها على القبول به، وحتى ولو كانت هذه القوة «المجموعة الخماسية» فإنّه قد يكون من الصعب عليها ان تقنع «الثنائي الشيعي» وحلفاءه اذا ظلّوا متمسكين بترشيح فرنجية.
ولذلك يقول هؤلاء المطلعون، أنّ الفراغ الرئاسي سينسحب الى السنة الجديدة ولا يمكن التكهن بموعد لإنجازه وبأي صيغة، خصوصاً انّ أفرقاء كثيرين باتوا يربطون مصيره بالتطورات الجارية في غزة والجنوب وفي المنطقة، والبعض يربطه ايضاً بالمفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران بعد «الديل» الذي حصل بين الجانبين، مثل عملية «طوفان الاقصى»، وكذلك في ظلّ الحديث على تسويات واتفاقات اقليمية يجري الإعداد لها على نار حرب غزة.
على أنّ للأفرقاء اللبنانيين قراءات واستنتاجات متناقضة لما يمكن أن تتنهي اليه حرب غزة، فكل من المعسكرين المتنازعين سياسياً، حيال الاستحقاق الرئاسي وغيره من الملفات الداخلية، يَتَوقَّع ان تأتي النتائج في مصلحة مشروعه السياسي ومن ضمنه ملف رئاسة الجمهورية. ولكن في حين أنّه من المفترض ان يكون الشأن الداخلي اللبناني خارج الحسابات الاقليمية والدولية فإنّ انعدام التوافق اللبناني ـ اللبناني على رئيس حتى الآن، شرّع باب التدخّلات الخارجية فيه على مصراعيه، والتي ربطته على ما يبدو عميقاً بالتطورات الخارجية، ما يعني انّ الانتظار اللبناني سيطول الى أجل غير معلوم… وأنّ مصير الاستحقاق الرئاسي شرح يطول.