اخبار محلية

هل تنجح “صرخة” الراعي في “تحريك” الملف الرئاسي؟!

“كفى إقفالًا لقصر بعبدا الرئاسيّ! وكفى إقصاءً للطائفة المارونيّة، وهي العنصر الأساس في تكوين لبنان!”.. بهذه العبارات، توجّه البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى “السادة نوّاب الأمّة”، كما وصفهم في قداس الأحد، مطالبًا إياهم بالقيام “بالواجب الموكول إليهم من الشعب والدستور، وانتخاب رئيس للدولة لكي تقوم من حالة نزاعها وتفكّك مؤسساتها”، وعلى رأسها مجلس النواب “الفاقد صلاحية التشريع”، والحكومة “فاقدة الصلاحيّات الإجرائيّة”.

رفع البطريرك الراعي السقف إلى الحدّ الأقصى، فدعا إلى الكفّ عمّا وصفه بـ”هرطقة تشريع الضرورة وتعيينات الضرورة”، والذهاب إلى ما اعتبرها “الضرورة الواحدة والوحيدة وهي انتخاب رئيس للدولة”، مناشدًا رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يدعو إلى عقد جلسات متتالية لانتخاب مثل هذا الرئيس، بموجب القاعدة الديمقراطية، من دون انتظار أيّ إشارة من الخارج لاسم، “أو أي شيء آخر من حطام الدنيا”، على حدّ قوله.

ولأنّ البطريرك الماروني اعتبر إحجام نوّاب الأمّة عن القيام بهذا الواجب “خيانة واضحة لثقة الشعب الذي وضعها فيهم يوم انتخبهم”، فإنّ “صرخته” هذه تطرح العديد من علامات الاستفهام حول أيّ تبعات محتملة لها على مستوى استحقاق الرئاسة “المجمَّد” منذ ما قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فهل تنجح هذه الصرخة، الأقرب إلى “انتفاضة”، في تحريك الملفّ، وتدفع نواب الأمّة إلى تلبية “النداء”، بشكل أو بآخر؟!

“الموقف الطبيعيّ”

يقول العارفون إنّ الكلام الأخير للبطريرك الماروني بشارة الراعي حول الاستحقاق الرئاسي هو “الموقف الطبيعي والبديهي” الذي يكرّره الرجل منذ اليوم الأول للفراغ في رئاسة الجمهورية، ولو أنّ اللهجة هذه المرّة جاءت مرتفعة أكثر من السابق، نتيجة ما يمكن اعتباره “إحباطًا” من أداء القوى السياسية التي تتعامل مع الفراغ الرئاسي وكأنّه أمرٌ عادي، وصولاً لحدّ “التطبيع معه”، ما يترك انطباعًا بأنّ البلاد يمكن أن تُدار بلا رئيس للجمهورية.

بهذا المعنى، فإنّ “صرخة” البطريرك الماروني تأتي في مواجهة الأداء السياسي الذي “يهمّش” الاستحقاق الرئاسي بانتظار توافق يبدو متعذّرًا حتى إثبات العكس، علمًا أنّ النافر في الأمر بحسب ما يقول المقرّبون من الكنيسة الماروني، أنّ الاستحقاق الذي يفترض أن يكون “أولوية الأولويات”، ما عاد حتى في “سلّم الأولويات”، بعدما تمّ ربطه بأمور لا علاقة له بها، بل إنّ هناك من يكاد يجزم أنّ لا رئيس في لبنان قبل انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة.

ولعلّ “الإشارة” التي وجّهها البطريرك الماروني، أو “اللطشة” كما يحلو للبعض وصفها، حول انتظار “إشارة من الخارج”، أو ما يصطلح على وصفه بـ”كلمة السرّ”، تعزّز هذا الاتجاه، فالبطريرك الماروني يريد أن يتمّ انتخاب الرئيس بالطرق الديمقراطية، وكما ينصّ الدستور، بعيدًا عن انتظار “إسقاط الاسم” من دول أو جهات لا علاقة لها بالاستحقاق، وفي ذلك رسالة لبعض الداخل “المُرتهَن”، وليس للدول الصديقة التي تحاول مساعدة لبنان على تجاوز الأزمة.

أي “مفاعيل” لكلام الراعي؟

لكن، أبعد من فهم “مغزى” كلام الراعي ومقاصده، يصبح السؤال مشروعًا عن “مفاعيل” كلام البطريرك الماروني، وانعكاساته على مستوى الاستحقاق الرئاسي، فهل يمكن انتظار “تحرّك ما” من جانب النواب تلبية لنداء رأس الكنيسة المارونية؟ وهل يمكن أن يتلقّف رئيس مجلس النواب الرسالة، فيدعو مجدّدًا إلى جلسات نيابية انتخابية كما يطلب البطريرك، حتى لو لم تكن “مضمونة النتائج”، إذا لم يسبقها تفاهم معيّن؟!

يقول العارفون إنّ البناء على كلام البطريرك الماروني لتوقع “انفراج” على خطّ الملف الرئاسي قد لا يكون واقعيًا، طالما أنّ مقوّمات انتخاب الرئيس لم تنضج بعد، ما يعني أنّ الجلسات المفتوحة والمتتالية لانتخاب الرئيس لن تكون مجدية، إذا لم يسبقها توافق معيّن، بل ستتحوّل إلى “مسرحيات استعراضية” حالها حال الجلسات التي عقدت سابقًا، طالما أنّ أيّ مرشح رئاسي لا يحظى حتى الآن بفرص النجاح، وفق ما تنصّ عليه اللعبة الديمقراطية.

من هنا، فإنّ الرهان الآن وفقًا للعارفين ليس على الجلسات المفتوحة والمتتالية التي ما عاد الفريق الذي يرفع لواءها، يطالب بها بالوتيرة نفسها، لإدراكه أنّها لن تُحدِث أيّ “خرق”، وإنما على الخارج، في ظلّ ترقّب عودة اللجنة “الخماسية” المعنيّة بالشأن الرئاسي إلى الواجهة، مع اجتماع مرتقب لها في غضون أسبوعين على الأكثر، ولو أنّ الآمال لا تبدو كبيرة على رهان دول الخارج، التي لا تستطيع أن تحلّ محلّ اللبنانيين في إنجاز استحقاقاتهم.

لم يقل البطريرك الماروني ما هو خارج عن المألوف، ولو رفع السقف بحديثه عن “إقصاء للطائفة المارونية”، يجسّده برأي كثيرين “تهميش” استحقاق رئاسة الجمهورية، سواء كان ذلك عن قصد أو من دونه. لكنّ ما قاله البطريرك ضمنًا، أنّ الموارنة أنفسهم يتحمّلون جزءًا من هذا “الإقصاء”، فبينهم من لا يزال يرفض التفاهم الذي ما عاد خافيًا على أحد، أنه “شرط” إنجاز الاستحقاق، بل إيقاظه من “سباته العميق”!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى