اخبار محليةاقتصاد

تأجيل صدور مراسيم القنّب الهندي تضيّع 1.5 مليار دولار سنويّاً!والعقبات سياسية!

ثلاث سنوات ونيّف على إصدار قانون تشريع زراعة نبتة القنب الهندي للأغراض الطبية والصناعية في لبنان، ولا يزال المزارع البقاعي ينتظر من الدولة تعيين الهيئة الناظمة للبدء بزراعة تغنيه عن زراعة “حشيشة الكيف” التي تغطّي سهل البقاع طيلة العقدين الماضيين.

أسابيع قليلة وينتقل الكثير من المزارعين إلى نثر بذور القنب الهندي الذي لا يتطلب منهم الكثير من العناء أو المياه للري، ويبرّر المزارعون اللجوء إلى هذه الآفة الزراعية إلى معاناتهم في تصريف إنتاجهم من الخضار والأشجار المثمرة، وعدم قدرتهم على تحمّل التكاليف الباهظة لتلك الزراعات، التي تشمل تهيئة الأرض وتأمين البذور والأسمدة والمبيدات والمحروقات لضخ المياه من الآبار الجوفية للريّ.

ويشددون على أهمية مبادرة الحكومة إلى إصدار مراسيم الهيئة الناظمة لزراعة القنب الهندي الصناعي، ووضع القواعد والآليات اللازمة لتنظيم هذا القطاع بفعالية، وإقامة الدورات التدريبية والإرشادية، ودعم المزارعين للبدء بزراعة هذه النبتة على نحو قانوني وفعّال، خاصة أن كل الدراسات بدءاً من تقرير “ماكنزي” مروراً بتوصية البنك الدولي وآراء الخبراء الأوروبيين، أكدت جدوى زراعة القنب الهندي، واعتبرتها فرصة عظيمة لتنشيط الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل جديدة.

وتشير الدراسات إلى أن مردود محصول دونم القنب الهندي لتصنيع حشيشة الكيف هو 400 دولار أميركي، بينما يصل محصول دونم القنّب الهندي للأغراض الطبّية والصناعية إلى 1200 دولار أميركي، وتقدّر عائداتها على خزينة الدولة سنويّاً بحوالي 1.5 مليار دولار، مما يجعل هذا الملف الاستراتيجي الوطني واعداً، وخاصة إذا ما علمنا أن لبنان ينتظر أن يجود عليه صندوق النقد الدولي بثلاثة مليارات دولار، مع شروط تعجيزية وعقبات لا نقوى على تجاوزها، فيما نحن بإمكاننا أن نحصل على هذا المبلغ خلال سنتين فقط من القنب الهندي. لذا يبدو مستغرباً تجاهل وعرقلة صدور مراسيم الهيئة الناظمة لمشروع قد يخرج البلد من معظم أزماته المالية والاقتصادية. عدا عن أن هذه الزراعة البديلة من زراعة الممنوعات تسهم في تنمية المنطقة، وتعيدها إلى كنف الدولة، وتعيد شيئاً من الثقة بالدولة الغائبة عن أبناء البقاع الشمالي ورعاية شؤونهم.

وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن أوضح لـ”النهار” أن “كل العقبات الموجودة هي سياسية، وليست تقنية، ويجب علينا أن ننظر في هذه الملفات بوعي وهدوء وأن نطرح أي قلق لدينا. يجب أن نكون متضامنين ومتفاهمين في سبيل إقرار هذا القانون، لأن هذا الملف يعود بالنفع على كل لبنان”.

وأعرب عن أسفه “لمرور ثلاث سنوات وسبعة أشهر على إقرار قانون تشريع زراعة القنب الهندي في المجلس النيابي للأغراض الطبية والصناعية في لبنان، دون أن يبصر النور، فقد خسرنا كل هذه السنوات بسبب عدم النظر إلى الأمر من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والوطنية”.واعتبر أن “إقرار الهيئة الناظمة للقنب الهندي يجب أن يكون الأساس قبل كل الملفات الزراعية والاقتصادية، لأن القيمة المضافة التي ستقدمها زراعة القنب الهندي الصناعي تقدر بـ1.5 مليار دولار على الأقل، وفقاً لتقارير عدة مثل ماكنزي والـUNDP وغيرهما”.

وأمل الحاج حسن أن “يتم تذليل كل العقبات السياسية، والنظر إلى المصلحة الوطنية، فإن دخول مليار وخمسمئة مليون دولار إلى خزينة الدولة هو مكسب للبنان ولجميع اللبنانيين، بغضّ النظر عن توجههم السياسي”.

ورداً على سؤال عن الجهة المسؤولة عن تأخير هذا الملف قال: “هدفنا ليس توجيه اللوم وتسجيل النقاط في السياسة، وإنما هدفنا هو أن نتوصل إلى نتائج إيجابية. يجب أن نحدد المشاكل ونناقشها خلال حوار بنّاء. اليوم، إن كانت لديكم أي أفكار أو رؤى تعتبر أنها ليست مستدامة اقتصادياً، فاعملوا على طرحها وسنناقشها. هذا الملف مثل باقي الملفات التي نعمل عليها ونأمل أن يشارك الجميع في إقراره”.

وأكد أن “الهيئة الناظمة لزراعة القنب الهندي هي مسؤولية الجميع، وتعمل على الربط بين عدة وزارات، ومن شأنها إعادة بناء الثقة، وهذه مسؤولية تجمع بين الجانب الداخلي والجانب الخارجي”.

واعتبر أن “لزراعة القنب الهندي دوراً مركزياً في الصناعات الطبية والنسيجية وتتنامى أهميتها عالمياً، وهناك العديد من الدول صادقت على مثل هذا القانون، و31 ولاية أميركية بدأت عملياتها. كل دقيقة تمر دون البدء بهذا القطاع ستؤثر على قدرتنا على تطوير اقتصادنا ومعالجة المشاكل الاقتصادية التي تكلفنا مليار دولار سنوياً” ورأى أن “زراعة القنب الهندي الصناعي تجذب الاستثمارات الأجنبية إلى البلد، وهي بحماية القانون”.

وقال: ” استشرنا أصحاب اختصاص في هذا القطاع وأكدت جميع الدراسات البحثية أن القنب الهندي الصناعي لا يمكن استخدامه للتعاطي، بل استخدامه صناعي وطبّي بامتياز، والقانون وضع شروطاً صارمة للتحكم في هذا الأمر”.

بالنسبة لبعض الأشخاص وردّاً على من يقول إن هذا المشروع سيشجع زراعة حشيشة الكيف المحظورة، أجاب: “الحكومات اللبنانية كافحت هذه الزراعة لأربعين عاماً، ولن تكون هناك نجاحات بدون وجود بدائل اقتصادية قادرة على توفير فرص عمل وتثبيت المزارعين. على أي حال، نحن ننظر إلى قيمة القنب الصناعي الذي يفوق قيمة حشيشة الكيف ويعود بالفائدة على المجتمع”.

وأضاف: “إن لم نعيّن الهيئة الناظمة ونبدأ بتطبيق هذا القانون، فكيف يمكننا توقع نجاحه؟ يجب أن نبدأ بتطبيقه بشكل صحيح، وأن يصبح جزءاً من اتجاه المجتمع، وأن نضبط زراعته ضمن ضوابط القانون”.

واعتبر أن “المشكلة اليوم ليست في القانون بل في تطبيقه، هذه مسؤولية الجميع، وأساس نجاح أي عمل. من الصادم أن نكون قد وضعنا قانوناً ولكننا لا نطبقه، أعتقد أن هذا يعكس استهتاراً وطنياً”.

وعن مصير آلاف المزارعين الذين بحقهم مذكرات توقيف بسبب زراعتهم القنب الهندي للكيف رأى الحاج حسن أن “هناك جانباً محزناً في منطقتنا، حيث ترتفع حالات التوقيف بسبب تجارة الحشيشة أو زراعتها. نحن ضد هذه الأفعال من الناحية الأخلاقية والثقافية والتربوية والعروبية والإسلامية. إقرار الهيئة الناظمة للقنب الهندي سينعكس إيجابياً، لأنه يقلل بنسبة كبيرة من التجارة غير المشروعة للحشيشة. ونظراً لكون قيمة زراعة القنب الصناعي الصناعية أعلى من حشيشة الكيف، سيتجه حكماً نحوها وستكون أولوية لديه، وسيؤدي ذلك أيضاً إلى تخفيف الآثار الاجتماعية الخطيرة على شبابنا ومجتمعنا”.

وأردف: “إقرار الهيئة الناظمة هو المدخل لتعزيز توازن خزينة الدولة، وتخفيف أزمات البلد، وعائدات القنب الصناعي كبيرة، مقارنة بالقرض الذي نتطلع إلى الحصول عليه من صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار”.

وبدورها، أعدَّت الباحثة سلام هزاع حميّة دراسة عن “دور أموال زراعة المخدرات في التنمية المستدامة لمنطقة بعلبك الهرمل”، وخلصت إلى أن “لبنان سيكون من البلدان المنافسة والرائدة في زراعة القنب للأغراض الطبية والصناعية، نظراً لتميّز أرضه ومناخه الذي أنتج أفضل نوعية من الحشيشة، حيث يتميَّز لبنان بزراعة القنب في حقول طبيعية مكشوفة تنعم بأشعة الشمس الطبيعية، والقنب الحالي لا يحتاج إلى الكثير من الماء، كما ينمو في الأراضي التي لا تصل إليها المياه، وهذا يعطيه ميزة خاصة ويخفض التكاليف”.

وأكدت حمية أن “زراعة القنب الهندي للأغراض الطبية والصناعية ليست جديدة، ويعود تاريخ الحشيشة في لبنان إلى مئات السنين، إلى عهد الرومان في لبنان، حيث يمكن رؤية منحوتات لنبتة الحشيشة على جدران قلعة بعلبك الرومانية العملاقة، مما يشير إلى زراعتها قبل أكثر من 2000 سنة في سهول البقاع الخصبة. واستُخدمت النبتة لمعالجة الآلام كمسكّن في ذلك الوقت”.

وتابعت: “نتائج الدراسات البحثية تؤكد جميعها أن مشروع زراعة نبتة القنب الهندي للأغراض الطبية والصناعية قد يكون أحد الإنجازات الهامة على الصعيد الاقتصادي التي قد يشهدها لبنان، وتسهم في نموّ الاقتصاد، وخاصة خلال هذه الأزمة التي يعيشها لبنان حالياً. ويمكن لزراعات البقاع أن تُعتبر من أفضل الزراعات في العالم”.

لقد حان الوقت لوضع حدٍّ للفقر والحرمان الذي يعاني منه البقاع الشمالي، بعد عقود عدّة من الإهمال الذي دفع المزارعين لزراعة الحشيشة الممنوعة لتأمين دخلٍ مرتفع لهم، ولكن هذا الدخل انخفض أخيراً بسبب حملات الضابطة الأمنية التي اعتقلت أعضاءً كثراً في شبكات التصدير الكبرى.

وتغطي زراعة القنب في لبنان مساحة تراوح بين 200000 و300000 دونم، وكل دونم ينتج ما بين 1000 و2000 كيلوغرام من الحشيش الخام، الذي يمكن تحويله إلى 4 أو 8 كيلوغرامات من الحشيش النقي المخصّص للتعاطي. ويعتاش منها ما بين 25 و50 ألف عائلة، وذلك حسب مواسم الزراعة والحملات الأمنية التي تقمع هذه الزراعات الضارة.

ومن جهته، طالب أمين العلاقات العامة لاتحاد النقابات الزراعية في لبنان، الحاج علي شومان، بـ”وقف كل المناكفات السياسية والإسراع في تشكيل هيئة ناظمة لزراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية. فزراعة القنب الهندي هي الزراعة الوحيدة التي تعيد المزارع في منطقة بعلبك الهرمل من سوء الوضع الاقتصادي الذي يعانيه، حيث يصل سعر زراعة الدونم الواحد بين 250 و300 دولار أميركي، فيما يصل سعر المحصول النهائي إلى 1000 دولار أميركي، وهما يمكّنهم من تحقيق أعلى نسبة أرباح. بالمقابل، إن تكلفة الزراعات الأخرى مرتفعة، فضلاً عن التحديات الكبيرة التي يعاني منها المزارع، مثل توقف التصدير والكساد، وعوائق أخرى”.

وأكد شومان أن “المزارع البقاعي اضطر، نتيجة الظروف الصعبة، لمواصلة زراعة المخدرات. واليوم، هناك فرصة يمكن أن تقدمها الدولة للمزارع تمكنه من التخلص من تلك الزراعة التي لا يرغب فيها، ونحن أمام تحدٍّ، يجب أن ينظر السياسيون إلى حاجات شعبهم وبلدهم، إذ إن زراعة القنب الهندي الصناعي، قد تكون خشبة خلاص لبنان لإخراجه من أزمته الاقتصادية الخانقة”.

وسام إسماعيل- النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى