اخبار محلية

أحداث الطيونة ستتكرر.. إذا لم!

المصدر: لبنان 24

أحداث الطيونة بملابساتها ونتائجها، وقبلها أحداث خلدة، مرجّحة للتكرار في كل لحظة.
هذا ما إستنتجه سياسي مخضرم ومجرّب، قال إن أخطر مما جرى على الأرض هو ما سبقه وما تلاه من كلام تصعيدي عالي السقف، وهو يوحي بأن النفوس غير صافية، وأن النيات “مزغولة”. وهذا ما يدعو إلى الخشية من تكرار مثل هذه الحوادث المقلقة.

في المقابل، يبدو المشهد في المقلب الآخر مغايرًا، إذ لم تبقَ دولة عربية أو غربية إلاّ ودعت إلى ضبط النفس والتهدئة، لأن ما حصل يؤّشر إلى مكامن ضعف التركيبة اللبنانية الداخلية القائمة على التناقضات الطائفية والمذهبية وهشاشة التوافقات والتفاهمات الثنائية المرحلية والظرفية، وهذا ما  لا يمكن التأسيس عليه لمستقبل آمن يطمئن فيه الجميع بعيدًا عن التوترات الموسمية والمتلاحقة، والتي تكون عادة صدىً لترداد تطورات واستحقاقات خارجية مؤّثرة.
 
الرأي السائد أن الجيش الذي لا يزال متماسكًا وقادرا، بقدرة قادر، على ضبط الوضع الأمني والحؤول دون الإنجرار إلى الفتن المتنقلة، التي يبدو أن ثمة جهات تخطّط لها. ولكن هذا الأمر، على أهميته، لا يكفي لوحده، ولا يشكّل ضمانة ثابتة ومستدامة، لأن عناصر الجيش هم أبناء بيئتهم، ويتأثرون بما يدور من حولهم، على رغم ما يتمتّعون به من إنضباط مسلكي. فما حصل في الحرب اللبنانية، حين إنقسم الجيش إلى ألوية متناحرة، أكبر دليل إلى أن هذا الأمر غير مستبعد حدوثه حين تنخر “السوسة” الطائفية أهم مؤسسة في الدولة اللبنانية القائمة في الأساس على الوحدة والإنصهار الوطني الحقيقي. 

هذا لا يعني بالضرورة أن الجيش، وهو المؤسسة الأمّ لسائر مؤسسات الدولة التي يمكن الإعتداد بها للحفاظ على هذا الإرث التاريخي، الذي إسمه “الصيغة اللبنانية”، سينجرّ إلى ما يُخطَّط له في الغرف السوداء، وهو الذي وجّه ضربة قاصمة إلى الإرهاب الداعشي في معركة “فجر الجرود”، وما يقوم به من عمليات إستباقية في الداخل وعبر الحدود تؤّمن الحدّ المطلوب لأمن المواطن الساعي إلى رزقه، خصوصًا في مثل هذه الظروف المعيشية الضاغطة والصعبة 
ولكن ما يُقصد قوله هو أن المواطنين اللبنانيين غير المنتمين إلى أي حزب من الأحزاب اللبنانية، وهم كثر، لا يمكنهم أن يرهنوا حياتهم على الصدفة وعلى موازين قوى قائم على تسويات هشّة، وعلى صيغ لم تُبنَ على صخر متين، بل على رمال متحرّكة. 

الوضع القائم على “زغل” مرجّح للإنهيار عند كل ريح عاصفة. ولذلك، ولكي لا تعيش الأجيال الطالعة التجربة المرّة التي عاشتها الأجيال السابقة، يجب أن تُطرح الأمور على بساط البحث بصراحة مطلقة ومن دون قفازات ومن دون مساحيق تجميل وعواطف زائفة وغشّاشة وشعارات غير واقعية. 


لقد ثبت أن ما يجمع اللبنانيين من قواسم مشتركة أكثر بكثير مما يفرّقهم. ولذلك يجب أن توضع نقاط الخلافات القائمة بين اللبنانيين حول الخيارات، وهي باتت معروفة، على حروف سكّة الحلول التوافقية مرّة نهائية، وأن ينبثق عن طاولات الحوار، التي ستطرح فيها كل المواضيع الخلافية، ميثاق جديد، وليس مؤتمرًا تأسيسيًا لما تشكّله هذه التسمية من حساسية لدى البعض، الذي يعتبر أن لبنان لا يحتاج إلى إعادة تأسيس من جديد، بل إلى تفاهمات جديدة تكون مبنية على ما هو قائم في الأساس. 

فإذا إتفق اللبنانيون على الأساسيات والخيارات الإستراتيجية ومفاهيم السيادة والمواطنة الحقيقية البعيدة عن الإنتماءات الطائفية يكونون قد أحسنوا الإختيار، وأسّسوا لمرحلة جديدة قائمة على تفاهمات راسخة ومتينة وصلبة. أمّا إذا كان ثمة إستحالة لتفاهمهم على بناء مستقبل يطمئن فيه الجميع ويعيشون فيه بوئام وسلام وإستقرار بنيوي ومجتمعي، فإن الطلاق، والذي هو أبغض الحلال، يكون افضل للجميع، ويكون افضل بمئات المرّات من العيش على بركان طائفي قابل للإنفجار عند كل لحظة. وهذا ما لا يتمناه أحد ممن يعتبرون أن للبنان أدوارًا أهمّ بكثير من أن يكون مجرد بلد كسائر بلدان العالم. وهذه كانت نظرة البابا القديس يوحنا بولس الثاني إليه.

فلنحافظ على هذا الوطن – الرسالة برموش العيون. السلاح سيقابله سلاح آخر. والدّم سيجرّ دمًا آخر. وهكذا يضيع الوطن الذي أورثنا إياه الأباء والأجداد، وهكذا تندثر الرسالة وتتبخرّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى