لبنان بمهبّ الكوليرا.. هل ينجو من تفشي الوباء؟
لبنان بمهبّ الكوليرا.. هل ينجو من تفشي الوباء؟
بعد أكثر من عام على إعلان انتهاء فاشية الكوليرا في لبنان، عاد شبح المرض القاتل الى البقاع، حيث تمّ رصد الجرثومة قبل أيام، عند نقطة تجمع الصرف الصحي في شتورة وفي نهر الليطاني عند جسر الدلهمية، خلال إجراء الفحوصات الدورية التي تجريها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني. هذا النبأ الخطير، استدعى استجابة سريعة لوزارة الصحة التي أكدت ألّا إصابات حتى الآن بالكوليرا، مشيرة الى تكثيفها الترصد والاستنفار منذ الثامن عشر من آب الماضي كما إطلاقها حملة تلقيح استباقية ضد الوباء.
تطمينات “الصحة” لم تمنع حصول بلبلة وانشغال الرأي العام بالخبر، إذ تعتبر هذه القضية ملحّة لما تشكّله من تهديد كبير وحقيقي على صحة وسلامة سكّان المناطق القريبة من النهر والمستخدمين لمياهه، خاصّة ان النقطين اللتين سجلتا تلوث بالكوليرا حالياً سبق ان رصدت الجرثومة بهما عند تفشي الوباء عام 2022.
إحصاءات مقلقة: الليطاني بؤرة الكوليرا مجدداً
لا يزال تلوّث نهر الليطاني من أكبر التحديات البيئية التي يواجهها لبنان بالرغم من الإجراءات المتبعة من قبل المصلحة الوطنية للنهر، وقد تكون إعادة رصد الكوليرا متوقعة وسط ما يشهده واقع الحوض من تعديات وتسريب مياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة ومخلفات المزارع والمسالخ الى نطاقه.
ووفقاً لأحدث تقرير لمصلحة الليطاني ولمسح ELARD، تم توثيق قيام 69 بلدة في الحوض الأعلى وحوالى 15 بلدة في الحوض الأدنى بالتخلص من مياه الصرف الصحي مباشرة في الأراضي المفتوحة أو في النهر من دون معالجة مسبقة. واستناداً إلى البيانات والإحصاءات السكانية في حوض الليطاني، يبلغ إجمالي حجم مياه الصرف الصحي التي يتم تصريفها سنوياً في النهر حوالى 46 مليون متر مكعب، ويتدفق جزء كبير منها مباشرة إلى النهر أو يتسرب إلى المياه الجوفية.
كذلك، بين مسح المصلحة وجود حوالي 31 مكباً عشوائيًا للنفايات الصلبة في الحوض الأعلى للنهر وما يقارب الـ111 مكبًا عشوائيًا في الحوض الأدنى، كما ان الحجم السنوي للنفايات الصناعية السائلة غير المعالجة التي يتم تصريفها في النهر حوالى 4 ملايين متر مكعب.
وللنزوح السوري أيضاً تأثير على النهر، إذ العدد التقريبي للنازحين المتواجدين في الحوض الأعلى يبلغ حوالى 68645 نازحا سوريا، تقدر كميات المياه المبتذلة الناجمة عنهم بحوالى 2,104,655 متر مكعب سنويا (اعتمادا أن معدل استهلاك النازح يقدر بـ84 ليتر يوميا). أما في الحوض الأدنى، فتواجد حوالى4238 نازحًا سوريًا يقيمون على طول مجرى النهر وقناة ري القاسمية، ويولدون حجمًا سنويًا يبلغ 1299937 مترا مكعباً من المياه الملوثة التي يتم صرفها في النهر أو قنوات الري، وفقاً للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني.
تبعاً لما ذكر، تحمل مياه نهر الليطاني كميات كبيرة من البكتيريا والجراثيم، بما فيها جرثومة الكوليرا، ما يقرع ناقوس الخطر ويشكلّ تحدياً صحياً كبيراً للجهات المسؤولية، في ظلّ كل ما يمّر به البلاد من أزمات اقتصادية ومعيشية تزيد من تردّي الأوضاع وتضاعف خطورة تفشي أي مرض إن لم تتبع الإجراءات اللازمة بدقة وسرعة؛ إذ أنه وبحسب بعض المعنيين والخبراء في المنطقة، أكثر من 1000 هكتار من هذه الأراضي الزراعية يتمّ ريّها من النهر “الملوّث”!
حملة استباقية وإجراءات فرديّة لازمة
لبنان الذي ذاق مرّ تفشي الكوليرا في الـ2022 وتمكّن من التخلّص من انتشاره في شباط 2023، معلناً في حزيران خلوّه من المرض؛ استدرك الأمر هذه المرّة مطلقاً حملة تلقيح استباقية ضد الوباء في المناطق والبلدات المحيطة بنهر الليطاني. وكانت قد شددت وزارة الصحة في بيان سابق لها عل ضرورة أخذ اللقاح المجاني حتى ولو تم أخذه في الحملة السابقة قبل سنتين، للحؤول دون معاودة انتشار الوباء في لبنان خاصة مع معاودة انتشاره في سوريا.
ولتعريف المرض الذي بات مألوفاً لدى اللبنانيين، تقول الاختصاصية في العلوم المخبرية، ايليان بطرس، إنه عدوى معوية تحدث نتيجة تناول طعام أو ماء ملوثان. وعن أعراضه، توضح أنها “تشمل إسهالاً حاداً، قيء، العطش، تغور العينين، تشنجات عضلية وانخفاضاً في ضغط الدم”.
أما عن طرق الوقاية منه، فتشدد بطرس على أهمية “النظافة والتنظيف”، إضافة الى تلقي اللقاح ومانحة نصائح “بديهي” القيام بها كشرب المياه المعدنية المعبأة في زجاجات نظيفة أو غلي الماء قبل شربها، غسل اليدين جيدًا وبشكل متكرر قبل تحضير الطعام وقبل تناوله وبعد استخدام المرحاض.
كما تشدّد بطرس على وجوب غسل الخضروات والفواكه بالمياه النظيفة مع إضافة معقّم أو خل للتخلص من الجراثيم، وطهي اللحوم والدواجن والأسماك جيدًا لقتل البكتيريا الضارة فيها.
ليست المرة الأولى وقد لا تكون الأخيرة التي يتسبب فيها تلوّث نهر الليطاني بانتشار الأمراض والفاشيات، ويبقى السؤال دوماً: متى يعي المواطن أهمية دوره في الحفاظ على محيطه قبل توجيه اللوم عنه؟ هل ينجو لبنان هذه المرّة أيضاً من تفشي “مرض قلّة النظافة”؟