اخبار محلية

إلى أين يتّجه لبنان في السنة المقبلة؟

لن يود اللبنانيون معرفة جردة السنة التي تنتهي بعد أيام فيما يعيشون كوارثها المتمادية بانهيار يتواصل على الصعيد السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي. فالسنة الآفلة حفلت بكل مساوئ أهل السلطة الذين يتركون علامات استفهام لا عن قابليتهم للبحث عن حلول أو الاهتمام بشؤون اللبنانيين وإنقاذ البلد، فهذا أمر محسوم لجهة انعدام هذه القابلية، بل عن قدرتهم وكفاياتهم وما إن كانوا أهلاً فعلاً لإدارة بلد ولو بصغر لبنان فيما الطموحات السياسية والشخصية تتفوق على أي مصلحة عامة.

والشكوك بذلك مشروعة ما دام الانتقال من الاحتلال السوري الذي كان يدير البلد الى سيطرة “حزب الله” وما يمثله من نفوذ إيراني يبقي الذرائع قائمة للجميع بأن اللبنانيين لم يتركوا ليديروا شؤونهم بأنفسهم أو هناك عقبات حالت دون ذلك، تماماً على غرار الأعذار التي قدمها بالامس مسؤولون في الحزب لعهد حليفهم ميشال عون. ويفترض أن رجال الحكم يتميزون من أجل الحكم بالقدرة على تجاوز العقبات أو محاولة تدوير الزوايا وليس بالتسبب بتفاقمها كما تميز العهد السابق وشكل صدمة بكل المعايير للطائفة المارونية التي اعتبرت أنها قدمت الاقوى والاكثر شعبية لترى مع اللبنانيين انهيار البلد وكل مؤسساته في أيامه وعدم رغبته كما عجزه عن التصدي الفعلي لمنع الانهيار أو تجنبه على رغم أن الحلول موجودة على الورق منذ سنوات ولا ترغب القوى المؤثرة في اعتمادها لأنها تؤثر سلباً على مصالحها ونفوذها.

أسوأ العهود مر على لبنان خلال الاعوام الستة الماضية فيما كان يعتقد أن عهد إميل لحود كان سيكون الاسوأ ولم يعتقد كثر للحظة أن هناك من سيأتي وسيتصدر المرتبة المتفوقة مجدّداً.

كثيرون من المراقبين والسياسيين غير متفائلين في الواقع حتى في حال انتخاب رئيس جديد للجمهورية وحتى تأليف حكومة جديدة فيما أهل السياسة يمارسون الالاعيب السياسية نفسها ويكذبون على اللبنانيين. ولكن التزام نتائج انتخابات وتأليف حكومة يشكلان مؤشراً على إمكان انتظام البلد وبدء خروجه من أزمته. ثمة ملاحظة لافتة في هذا الإطار والبعض يعتبرها إيجابية، تتصل بأن كل المحاولات الدافعة في اتجاه عدم إمكان إيجاد حل للأزمة في لبنان من دون إعادة النظر في الدستور والحصص الطائفية لم تنجح والتركيز كله عاد لإنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها. ولكن هؤلاء يخشون أمرين من الجانب المسيحي: أحدهما يتصل باستمرار دعوة بكركي الى مؤتمر دولي من أجل لبنان، وحتى لو كان ذلك بالمنحى الإيجابي الذي يقصده سيد بكركي لجهة المحافظة على لبنان وكيانه، فإن المؤتمرات الدولية لا تلبّي غالباً الهدف المحدد من الدعوة إليها وتبرز الكثير من البنود فيها من أجل إنجاحها. والأمر يتصل بمسعى التيار العوني الى رئيس للجمهورية من ضمن سلة متكاملة من حكومة موزعة مسبقاً وكذلك ببرنامج عمل للرئيس العتيد. فالتيار العوني الساعي الى ضمان مصالحه وامتيازاته التي كانت قاتلة للبلد كما هي حال تحكمه بوزارة الطاقة، فإنه، وإن كان يتمثل بتكرار اتفاق الدوحة ويخدم مصالحه ومصالح حليفه الشيعي، يقضي مسبقاً على هيبة الرئاسة وصلاحياتها ويقيدها على نحو مسبق. هذا الخطر من إعادة النظر في صيغة الطوائف في لبنان والتركيبة السياسية للنظام لا يزال قائماً فيما لا حائل دونه سوى عدم قدرة الدول التي لا تزال مهتمة نسبياً بلبنان وعدم رغبتها في الانخراط بأمر مماثل ووجود أولويات أخرى لديها غير اهتمامات لبنان، في مقابل الإصرار على التزام إجراء انتخابات رئاسية وتأليف حكومة وتنفيذ الاتفاق مع صندوق النقد ليس إلا. ولكن في ضوء عدم اتجاه لبنان الى الإنقاذ قريباً على رغم أن عناصر الإنقاذ متوافرة من حيث المبدأ في السياسة كما في الاقتصاد على خطة الصندوق والآمال بثروات غاز في البحر، تستمر الخشية كبيرة من خريطة نفوذ ترتسم في المنطقة وتبني على المتغيرات الكبيرة التي حصلت على كل المستويات من دون أي إمكان أو أي احتمال للعودة الى لبنان السابق كما على ضوء المتغيرات الجارية في المنطقة. فواقع أن لبنان لن يعود كما كان سابقاً بات يحتم الأخذ بالمتغيرات الحاصلة على كل المستويات تقريباً دون المس حتى الآن بالاساسيات الدستورية من حيث المبدأ. والمصيبة الكبرى أن الصدمة التي يعيشها اللبنانيون منذ أكثر من ثلاث سنوات لم يتم استيعاب مفاعيلها بعد وهذه غير قابلة للتصريف، ومن هنا صعوبة التكيف وكذلك الاستعداد لمرحلة أخرى من لبنان مختلف عن السابق.
الى أين يتجه لبنان في الأشهر المقبلة؟

لا أحد يملك في الواقع أي إجابة مرضية فيما تستمر محاولات التعمية على التعطيل الجاري ليس إلا. التعويل الوحيد يستند فقط الى تعهدات ذكرها ديبلوماسيون لدول مؤثرة تفيد بأن التعطيل لن يترك لكي يتم التمادي به طويلاً كما حصل بين 2014 و2016 حتى ضمان وصول ميشال عون. ولكن إن كان المدى الزمني غير مفتوح الى هذا الحد، فليس واضحاً المدى الزمني المتاح للتعطيل في المقابل وهل يستغرق سنة بدلاً من سنتين ونصف السنة أم أقل. وخلال هذه السنة المنصرمة التي شهدت إيجابيتين إحداهما إجراء الانتخابات النيابية والاخرى ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، فإن السلبية السياسية البالغة التأثير هي تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي ما ترك فراغاً كبيراً في الساحة السنية واللبنانية وأسهم في الإخلال بالتوازن السياسي الى حد كبير في ظل غياب وعدم قدرة أي شخصية سنية أو فريق سني على ملئه في وقت أحوج ما يكون البلد في حاجة الى ركائزه كلها فيما السلبية الاقتصادية كانت ولا تزال تتمثل في الانهيار المروّع لليرة اللبنانية وانعكاسات ذلك على إمكانيات اللبنانيين وقدرتهم على الاستمرار والعيش الكريم.

انتخاب رئيس للجمهورية يُعدّ مفتاحاً ليس للإنقاذ، ولا ينبغي أن تكون هناك أوهام حيال ذلك، بل لتجميد الانهيار أولاً وعدم إتاحة المزيد من الانهيار من دون إقفال الباب على تفاؤل بأن تتوافر ظروف ما لوضع لبنان على أول السكة للنهوض ليس إلا.

“النهار”- روزانا بومنصف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى