اقتصاد

هذه هي كلفة إبقاء الدولار تحت الـ 100 ألف!

تعددت الأسباب والإنهيار واحد. لذا الأسئلة المطروحة بديهيا تصعب الإجابة عنها علميا. من يرفع الدولار بوجه الليرة؟ ومن يسقطه من عرشه كلما حلّق وارتفع؟ ما هي نقاط ضعفه؟ وكيف تُلوى ذراعه؟ وكذا أين نقاط قوته، ومن يرخي لجامه من وقت الى آخر؟

يتفق اللبنانيون “نمطيا” على أن المشكلة النقدية بدأت من الفجوة المالية في مصرف لبنان، لكنهم يختلفون على تحديد المسؤوليات بين الدولة والمصارف و”المركزي”، وكذلك على توزيع الخسائر. إلا أن معظمهم متفق على الدور الإيجابي نسبيا لمنصة صيرفة في رفد الأسواق بالعملة الخضراء من خلال “دولرة” رواتب القطاع العام، إضافة الى عمليات إستيعاب التضخم عبر شراء الليرة من المواطنين مباشرة على سعر المنصة، بما يساهم في لجم ارتفاع سعر الصرف الذي وصل في الفترة الاخيرة الى نحو 143 ألف ليرة لينخفض تدريجا الى ان وصل حاليا الى نحو 97 الف ليرة، بعد ضخ مصرف لبنان نحو 100 مليون دولار عبر منصة صيرفة، وفق ما تؤكد مصادر متابعة، علما أن التوقعات كانت أن يضخ نحو 400 مليون دولار.

ولكن الذي حصل ان تفاعل السوق بايجابية مع عرض للدولار اكثر من الطلب عليه في الاسابيع الاخيرة، مع تأمين منصة صيرفة الدولار على سعر 90 الف ليرة وما دون لكل من يطلب الدولار من دون سقف، اضافة الى موسم الاعياد وزيادة اعداد السياح والمغتربين اللبنانيين، كلها عوامل خففت الضغط عن مصرف لبنان لاستخدام احتياطاته، بدليل أن ميزانيته بينت ارتفاع الاحتياط الصافي بالدولار الاميركي نحو 50 مليون دولار في النصف الاول من نيسان ليبلغ الاحتياط الصافي نحو 9.5 مليارات دولار، وذلك على رغم ضخ عشرات ملايين الدولارات عبر منصة صيرفة لتأمين طلبات المواطنين والشركات.

رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في “بنك بيبلوس” نسيب غبريل يعتبر أن الحديث عن سعر الصرف في السوق الموازية يحمل الكثير من الجدل “خصوصا انه غير مبني على معطيات علمية واقتصادية بحتة. فهذه السوق التي ظهرت في أواخر آب 2019، هي سوق غير مقوننة وغير شفافة ولا تخضع لأي رقابة، وقد نتجت عن شح السيولة بالاقتصاد اللبناني بسبب تراجع تدفقات رؤوس الاموال الى لبنان على خلفية أزمة الثقة التي بدأت في أواخر الـ 2017 وتوسعت تدريجا لتنفجر في أواخر الـ 2019”. وقال: “عندما وصل سعر الصرف الى 143 الف ليرة منذ 3 أسابيع تقريبا، بدأ المزايدون التنافس للتكهن حيال مصير سعر صرف الدولار والتأكيد أن لا سقف لسعر الصرف، ولكن ما حصل أن سعر الصرف انخفض ليصل حاليا الى 97 ألفا على رغم كل الظروف المحيطة والضبابية في المشهدين السياسي والاقتصادي وخصوصا حيال تنفيذ الاصلاحات”. الاسباب التي أدت الى هذا الانخفاض واضحة برأي غبريل، “فتدخل مصرف لبنان من خلال منصة صيرفة واقبال الافراد والشركات خوّلا “المركزي” أن يسحب من السوق نحو 15 الف مليار ليرة، بحيث بلغت الكتلة النقدية في منتصف نيسان نحو 65 ألف مليار ليرة بسبب اقبال الافراد والشركات. لكن اللافت هو أنه مع استقرار سعر الصرف عادت الشائعات للتهويل بأن ما بعد الاعياد سيعاود سعر صرف الدولار الارتفاع ومن دون ضوابط، علما أن هذا الامر غير مبني على عوامل ملموسة اكثر من كونها مزايدات وضجيج اعلامي”.

وأشار الى أن وصول سعر الصرف الى 143 ألف ليرة، وحاليا انخفاضه الى 97 الف ليرة “هي ارتفاعات وانخفاضات اصطناعية لا تعكس السعر الحقيقي الذي يتبين عندما يكون هناك اصلاحات ملموسة تؤدي الى تدفق تدريجي للأموال من الخارج واستعادة الثقة تدريجا، والى اعادة الحركة الاقتصادية تدريجا لحركتها الطبيعية، وحينها يتم تحديد أسعار الصرف بالاقتصاد اللبناني”.

ويرى غبريل أن استقرار سعر الصرف على مستواه الحالي أمر لافت وسط غياب الإصلاحات السياسية الجدية في ظل فشل البرلمان لغاية اليوم في إنتخاب رئيس للجمهورية وبقاء الحكومة في موقع تصريف أعمال منذ أيار 2022.

أما عن مصادر تمويل “المركزي” لعمليات منصة صيرفة، فيؤكد غبريل حرص مصرف لبنان على المحافظة على الإحتياط لديه من العملات الأجنبية على رغم استخدامها بسبب طلبات السلطة السياسية، ويشير إلى شراء مصرف لبنان الدولار إنتقائيا من السوق الموازية “من أجل إعادة توزيعه وضخه على المواطنين عبر منصة صيرفة وليس بهدف رفع الإحتياط من العملات الأجنبية”، لافتا الى أن “إستخدام المواطنين لمنصة صيرفة وإعادة صرف الدولار في السوق الموازية يؤدي بدوره إلى ضخ دولارات إضافية في الأسواق”.

إلا أن للباحث والخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي أرقاما مغايرة جدا لتلك التي وردت على لسان المصادر المتابعة، إذ يؤكد ان خسائر مصرف لبنان باتت تناهز الـ 100 مليون دولار تقريبا منذ 3 اسابيع حتى الآن. “هذه الخسائر عبارة عن فارق السعر بين ما يشتريه مصرف لبنان من السوق وما يقوم بضخه على منصة صيرفة، بما يؤشر الى أنه اذا استمر مصرف لبنان فترة أطول بهذه العملية ستزيد حجم خسائره أكثر وأكثر، وإن كان يصرح دائما بأنه لا يستخدم الاحتياط الالزامي للمصارف الذي هو بالنهاية حق المودعين حصرا”.

ويقول جباعي: “في حال بنينا على هذا الكلام، فهذا يعني أن الاموال التي حصل عليها مصرف لبنان في الفترة الماضية قد شارفت الانتهاء، وخصوصا بعد الكميات الكبيرة التي ضخها في الاسابيع الماضية، حيث فاق الرقم المليار دولار حتى اليوم” (70 مليون دولار يوميا). من هنا يرى جباعي ان “مصرف لبنان سيخفف في الفترة المقبلة تدخله على المنصة، الا في حال قرر التدخل عبر استخدامه الاحتياط الالزامي”، ويستند في ذلك الى الارقام اليومية التي تشير الى أن حجم الاموال المدفوعة على منصة صيرفة أكبر من حجم الاموال التي يشتريها مصرف لبنان من السوق، “وهذا يعني أن الاموال التي استخدمها مصرف لبنان على المنصة شارفت بكل تأكيد الانتهاء، وتاليا هو في حاجة لأن يتدخل في السوق بشكل أكبر لكي يشتري كميات أكبر من الدولارات”. ويضيف: “من المتعارف عليه، أنه عندما يكون سعر الصرف بحال جمود أو انخفاض لا يستطيع مصرف لبنان أن يشتري الكثير من الدولارات كما هو الحال عند ارتفاع سعر الصرف، حيث يتهافت الناس على بيع دولاراتهم للافادة منها تخوفا من انخفاضه”. ووفقا لتلك المعطيات، يتوقع جباعي أنه “من الآن حتى آخر شهر نيسان، سيبدأ العد العكسي لتباطؤ مصرف لبنان بالتدخل على منصة صيرفة، بما سيساهم في عودة ارتفاع الدولار تدريجا”.

توازياً، يشير جباعي الى ان زيادة ثلاثة واربعة أضعاف الراتب للقطاع العام “سيؤجج حتما ارتفاع اسعار صرف الدولار لأسباب عدة، منها انه كان المطلوب من الحكومة اللبنانية أن تؤمن مبلغ 3 تريليونات و300 مليون ليرة شهريا من أجل دفع الرواتب للقطاع العام، ولكن اليوم هذا المبلغ سيقترب من 10 تريليونات ليرة شهريا. مع الاشارة الى ان مصرف لبنان يقوم بتأمين الرواتب بالدولار على منصة صيرفة، بما يعني أن حجم الطلب على الدولار في السوق سيصبح أكبر من قدرة مصرف لبنان كونه سيكون بحاجة الى كمية دولارات أكبر 3 مرات كي يضعها على المنصة، وهذا سيساهم بالتأكيد في طباعة الليرة من جهة وشراء الدولار من السوق من جهة أخرى، وتاليا سينتج عنه المزيد من الضغط على الليرة أكثر وسيرتفع سعر الصرف تلقائيا، وستفقد الرواتب قيمتها مع مرور الزمن خصوصا اذا ارتفعت صيرفة في المرحلة المقبلة بعد ارتفاع سعر الصرف”.

وبرأي جباعي “كان الافضل للحكومة اللبنانية أن تعتمد سعر صيرفة 45 ثابت للموظفين من دون أي زيادة رقمية في الليرة اللبنانية حيث كان الموظفون سيحصلون على نسبة دولارات ثابتة قيمتها موازية لقيمة الزيادة الحالية، وكانت الحكومة وفرت طباعة المزيد من الدولارات وحمت الموظف من اي ارتفاع جديد في سعر صيرفة”، لافتا الى ان مصرف لبنان كان يعاني لتأمين مبلغ 3 تريليونات و300 مليون ليرة شهريا من أجل دفع الرواتب للقطاع العام، بحيث كان يطبع كل 3 أشهر 10 تريليونات ليرة، فكيف اليوم مع الزيادات التي أقرت، بما يعني أن المبلغ سيقترب من 10 تريليونات ليرة شهريا وهو يعني أيضا طباعة المزيد من العملة تصل الى نحو 30 تريليون ليرة.

بكل الاحوال، يرى جباعي أن سعر صرف الدولار الى ارتفاع قريبا… ما لم يكن هناك حل سياسي أو مفاجأة ايجابية في الملف السياسي.

سلوى بعلبكي -النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى