اخبار محلية

لا تكافل ولا تضامن ولا رؤية… من يضمن صحّة اللبنانيين؟

نعرف أن الصناديق الضامنة، على أنواعها، بالويل، لكن ما لم نكن نعرفه أن العجوز العزباء، ولو كانت بعمر الثمانين، وتستفيد من طبابة بلدية بيروت على اسم والدها المتوفي، فمفروض عليها تجديد أوراقها كل ستة أشهر، والإتيان بإخراج قيد عائلي جديد وبمستند يؤكد أنها غير مضمونة من فرع المؤسسة في الكولا. هي جلجلة المرأة الثمانينية في دولة بلا ضمان ولا إحساس. فلا هي ستتزوج في عقدها التاسع ولا الضمان (غير الإجتماعي) سيستوعبها. من هنا نشرّع المدخل الى موضوع تعدد الصناديق الصحية الرسمية والنتيجة: خبيزة.

على أصداء مشهدية مجلس النواب، في اليوم الإنتخابي القصير، وسيل الخطابات الرنانة، ذات الأبعاد المتعددة، التي تنتهي في نهاية المطاف إلى: ولا ولا شي. راقبنا إحداهنّ متوعكة، تئن، ولا أحد يبالي. الكلّ منشغل في إسمين: جهاد أزعور وسليمان فرنجيه. وعلى الضفة الثانية لا أحد ينتبه لا إليها ولا الى آلاف مثلها. هي مريضة غسيل كلى. حصل تجاذب وطلعات ونزلات في تأمين علاج مرضى غسيل الكلى الى أن حسمها مدير عام الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي محمد كركي. هو قال غسيل الكلى سيكون مئة في المئة على حساب الصندوق. تذهب أو لا تذهب؟ ليس في جيبها قرش. جيرانها أخبروها أنهم ذهبوا الى مستشفى الساحل فقالوا لهم: على مريض الغسيل أن يدفع 33 دولاراً قبل دخوله الى الجلسة. مدير الصندوق يقول العكس. البلد كله في فوضى واللبناني ما عاد يهتم (للأسف) إلا بلقمة ودواء، فإذا حصل عليهما حصل على المنّ والسلوى.

بدأت الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد. الجميع في ميل وهي في ميل آخر مختلف تماماً. إنتهت جلسة الإنتخاب وهناك ورقة ضائعة. لا يهم. البلد كله في ضياع. ومن يتألم من المرض لن يهتم بكل ما عداه. فماذا عن حال الصندوق الذي يعيش اليوم من قلة الموت؟

عضو مجلس إدارة الضمان جورج العلم لا يوارب أبداً في الكلام عن صندوق مطلوب منه الكثير. سألناه عن حال هذا الصندوق اليوم بعيدا عن الكلام الرسمي المعسول؟ هل يمكن أن نعدّ المضمون بأن صندوقه الإجتماعي يعود الى الحياة بعد «كوما» السنوات الماضية؟ يجيب «الموضوع محدد بمراسيم، والطبابة يفترض أن تكون بحسب المراسيم، أي بنسبة 80 في المئة تغطية خارج المستشفى، و90 في المئة داخلها. لكن، الأمر لم يكن طوال ثلاثة اعوام «ماشياً». والكل اختبر ذلك. والبارحة (قبل أيام) حقق المدير العام تقدماً أدى الى تحقيق توفير ثلاثين الى أربعين في المئة من كلفة الفاتورة الصحية. ونأمل مع إقرار غلاء المعيشة الجديد أن نكون متجهين نحو المنحى السليم. من يريد الدخول اليوم الى المستشفى سيدفع عنه الضمان الإجتماعي من ثلاثين الى أربعين في المئة من الكلفة اما غسل الكلى فيسدد بنسبة مئة في المئة. وهناك أدوية القلب والضغط وسواها، نحو 700 دواء، سيؤمن الصندوق بين عشرين الى أربعين في المئة من كلفتها».

نفرح؟ نطير من الفرح؟ هكذا يظنون. لكننا لا نقرّ ونعترف بأن دولتنا فاشلة حتى النخاع. لا نتهم من لديهم نوايا حسنة وهم قليلون لكن كم تمنينا، مع جميع المضمونين، أن يقف المسؤول معلناً: لا، مش ماشي الحال. نعم، مشكلتنا في البلاد أن لا أحد، ممن هم في سدة المسؤولية، يتجرأ على القول: مش ماشي الحال. ولتتصرف الدولة. هي تجبي من جيوب الناس ما لا قدرة لهم على سداده فارضة الغرامات أما مسؤولياتها هي فلا رقابة عليها ولا غرامة.

نتصل بمدير الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي للمرة المئة ولا يجيب. نرسل له رسالة مكتوبة ورسالة أخرى صوتية ولا يجيب. فهو يرفض الكلام في وسائل إعلام إلا محصورة بمن تشبهه. هو آدمي. يقولون عنه ذلك لكنه محسوب على فريق. نعود الى جورج العلم لسؤاله عن إمكانية سداد المضمون بقية التكلفة بعدما خسر حتى اللحم الحيّ؟ يجيب: «كل ما يمكنني قوله أن الأمور تحسنت عما قبل. فهي لم تكن تدفع قبل حين شيئاً وهي ستسدد اليوم نسبة من التكلفة».

نوال نصر -“نداء الوطن”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى