اخبار محلية

هل الاستحقاق الرئاسي في خبر كان؟!

لا شكّ في أن الفراغ في قيادة الجيش في هذا الوقت الحرج قاتل. ولهذا فإن الجهود المبذولة حكوميًا تركّز في البحث عن الحلول الممكنة والمتاحة وعن “أهون الشرّين”، على أن يبقى الهمّ الأساسي الحؤول دون الوصول إلى العاشر من كانون الثاني من العام 2024 إلى ما لا يريده أحد، وذلك نظرًا إلى الانعكاسات الخطيرة لهذا الفراغ على وضعية المؤسسة العسكرية، التي هي حاجة أكثر من ضرورية، باعتبارها المؤسسة شبه الوحيدة، التي لا يزال العمل فيها مضبوطًا على ساعة الحفاظ على الأمن والاستقرار العام في البلد. وهذا الضبط الادائي يعود بالدرجة الأولى إلى العلاقة الترابطية بين القيادة والعناصر بمختلف رتبهم، وكذلك بفعل الجهد المبذول، ولو متواضعًا، لتأمين الحدّ الأدنى من المستلزمات الحياتية المطلوبة لديمومة القيام بما يفرضه الواجب الوطني على كل متطوع ومنتسب إلى هذه المؤسسة، التي يأتي شعار “التضحية” في سلم اولوياتها.

ولكن هذا الجهد المبذول وهذا الاهتمام غير المسبوق بـ “استحقاق اليرزة” كان يُفترض أن يقابله أو يسبقه جهد مضاعف واهتمام أكثر من طبيعي بـ “استحقاق بعبدا”. فهو الأساس في تراتبية المسؤوليات، ومنه تتمظهر إنتاجية باقي السلطات. ولو لم يكن لوجود رئيس الجمهورية هذه الأهمية الدستورية باعتباره “رمزًا لوحدة الوطن” لما كان كل هذا الاهتمام بقيادة الجيش، ولكانت الأمور تسير في مسارها الطبيعي والعادي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى سائر القضايا المعلّقة التنفيذ في السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع احتدام الخلاف السياسي على خلفية ما هو ضروري وما هو غير ضروري، مع استنسابية مطلقة في مقاربة هذه القضايا، والتي لها علاقة بمدى مقاربتها من قِبَل كل طرف بما يتوافق مع مصلحته، ولكل مصلحته الشخصية المرتبطة بهذا الاستحقاق أو تلك المسألة غير الخاضعة لـ “وحدة المعايير”.

ولعل أكثر ما يخشاه المتعاطون بالشأن الرئاسي من الخارج هو أن تكون غالبية القوى السياسية مستفيدة من الفراغ الرئاسي، وكلٌ على طريقته الخاصة، ولكل طرف سياسي أسبابه ودوافعه، منها ما هو ظاهر ومعلن، ومنها ما لا يزال مستورًا، باعتبار أن أوان كشف الأوراق المستورة لم يحن بعد، إذ لا يزال البعض يعمل على أساس أن الكرسي الرئاسي لا تليق إلا “لجنابه”، وأن البحث عن “الرئيس المثالي” لا يزال في بداياته، وأن ما تشهده الساحة الإقليمية من تجاذبات محورها الحرب على غزة، ومدى انعكاسها على لبنان انطلاقًا من جنوبه، بعد التصعيد الأخير يُبقي “الصورة الرئاسية” (NEGATIVE) في غرفة “التحميض السوداء” على غرار ما كانت تشهده عملية تظهير الصور قبل “ثورة الديجيتال”.
وما يخشاه بعض العاملين على الملف الرئاسي هو أن تطوي الحرب على غزة والتصعيد المتزايد في الجنوب أي كلام عن رئاسة الجمهورية إلى درجة أن بعض من في الداخل لا يتردّدون في القول بأن لا وقت الآن للبحث عن اسم جديد لرئاسة الجمهورية. فهناك أمور مصيرية يتوقف مستقبل البلد على مجرياتها. فالحديث يطال مصير الجمهورية. ومتى يتوضح هذا المصير يتمّ اختيار الرئيس، الذي يُفترض أن تتطابق مواصفاته مع مستلزمات مرحلة ما بعد تحديد المصير، أو بتعبير آخر هوية لبنان الجديدة.
وأكثر ما تخشاه بكركي ومعها شريحة واسعة من اللبنانيين، وفي مقدمهم القوى المسيحية الفاعلة والمؤثرّة، أن البعض لم يعد يحصر همّه بأي تسوية تتعلق برئاسة الجمهورية فحسب، بل بالحديث المتنامي عن صفقة شاملة ومتكاملة تتناول كل المراكز والمناصب، ومن ضمنها طبيعة الحكومة المقبلة وحتى بيانها الوزاري.
ولأن لا شيء يعلو على صوت المدافع فإن أي حديث عن رئاسة الجمهورية في هذا الوقت المستقطع يبدو في رأي البعض غير مناسب وغير متطابقة مواصفاته مع طبيعة ما يتعرّض له لبنان من خطر إسرائيلي داهم.

المصدر: خاص “لبنان 24”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى