اخبار محلية

منصوري يمدّد للدولة مهلة سداد ديونها… فلماذا الاعتراض؟

“لا مع سيدي بخير ولا مع ستّي بخير”… هذا المثل البيروتي القديم ينطبق على ردود فعل وسائل الإعلام حيال حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، بعد نشره بياناً حول الوضع الخاصّ بالمصرف المركزي قبل أيام، حيث أجرى بعض التعديلات على بعض البنود ومسمّياتها. فقامت الدنيا ولم تقعد ضدّه، لأنّ البعض اعتبر تلك التعديلات استكمالاً لنهج رياض سلامة، بل ذهب بعضهم الآخر بعيداً إلى حدّ تسمية الحاكم: “وسيم سلامة”.

لماذا؟
ببساطة لأنّ بيان المصرف المركزي تطرّق إلى المادة 113 من قانون النقد والتسليف، التي يعتبر المعترضون أنّها “لغة جمعية المصارف” ومطلب المصارف. وكذلك لأنّه في نظر من شنّوا الحملة عليه “يصرُّ” على “تشريج” الدولة بدينٍ قيمته 16.5 مليار دولار، ويقولون إنّ هذا الدين ظهر حديثاً ولا مراسلات بين الدولة والمصرف المركزي حوله، وإنّ الحاكم السابق رياض سلامة ابتدعه من بنات أفكاره وحساباته الوهمية وبشكل منفرد.

عمر استدان من عمرو
في شرح عملي بسيط لهذه المليارات الـ16.5، يمكن تشبيهها بالتالي:
عمر استدان قبل الأزمة مبلغ 1,000 دولار من عمرو. حينما قرّر عمر أن يردّ المبلغ، دفع لعمرو 1.5 مليون ليرة. رضي الأخير بالحصول على المبلغ بالليرة لأنّ سعر الصرف مثبّت على 1,500 ليرة، وبالتالي لا فرق.

لكن لو قرّر عمر أن يردّ المبلغ لعمرو بعد الأزمة، فلنفرض في عام 2023 يوم كان سعر الصرف في السوق السوداء 100 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، فإنّ المبلغ 1.5 مليون ليرة يساوي 15 $، ولهذا لن يرضى عمرو على الإطلاق وسيصرّ على استرداد المبلغ بالدولار الأميركي. وهذا تماماً ما حصل بين المصرف المركزي والحكومة.

من أين ظهر هذا المبلغ؟
مصادر مواكبة تدحض لـ”أساس” كلّ هذه التهم، وتعتبر القول إنّه لا مراسلات بين وزارة المالية ومصرف لبنان حول هذا المبلغ “أمر غير صحيح على الإطلاق”، وتؤكّد أنّ الدولة “تعترف بهذا الرقم وثمّة مراسلات عدّة، وليس مراسلة واحدة حول هذا الدين”.
تضيف المصادر المعنية والرسمية أنّ هذا المبلغ هو نتيجة “تراكمات تعود إلى عام 2007″، وكان يضاف مع تعاقب السنوات ونتيجة حاجة الدولة إلى الدولارات من أجل تسيير التزاماتها. كان ذلك يتمّ بمعرفة وزارة المالية التي كانت تراسل المصرف المركزي وتطلب منه أن يضيف كلّ مبلغ تقترضه ضمن ما اصطُلح على تسميته بين الطرفين: “حساب الحصيلة”.
كان مصرف لبنان يحتسبه بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي 1,500 ليرة. لكن قبل الأزمة كانت موجودات الدولة بالليرة تغطّيه، لكن حينما ارتفع سعر الصرف إلى 15 ألفاً زاد الرقم 10 أضعاف على الليرة (مرشّح إلى الارتفاع مع رفع سعر الصرف إلى 89 ألفاً بعد إقرار الموازنة).
خلال تلك الفترة كان مصرف لبنان يسجّل كلّ ما تطلب الحكومة (الحكومات المتعاقبة) منه مدفوعات بالدولار في “حساب الحصيلة”، وتراكم مع الوقت حتى وصل إلى 16.5 مليار دولار.

ما الذي تغيّر اليوم؟
تقول المصادر المعنية إنّه في الفترة الماضية كان يدرج هذا الدين تحت بند “موجودات أخرى”، لكنّ “المركزي” تحوّل اليوم إلى تقييد هذا الدين تحت بند “استحقاقات مؤجّلة”، أي أنّها ديون لمصلحة مصرف لبنان لكنّها معلّقة ولا بدّ أن تدفعها الدولة اللبنانية في الفترة المقبلة.
أمّا حول ذكر المادة 113 في مقدّمة البيان فتؤكّد المصادر استحالة وضع هذا المبلغ تحت بند “الخسائر”، لأنّ مصرف لبنان بذلك يكون قد ألزم الدولة بدفع هذا الدين فوراً، أي أنّ إلغاء مبلغ 16.5 مليار دولار أو تحويله إلى حساب “خسائر مصرف لبنان”، سيؤدّيان إلى استحقاق هذا المبلغ على خزينة الدولة التي ستكون ملزمة بتسديده فوراً وفي أول موازنة (بحسب نصّ المادّة المذكورة).
يعلم المركزي أنّ خزينة الدولة فارغة ولا قدرة للحكومة على الوفاء بالتزاماتها في هذا التوقيت الحرج، وبالتالي فإنّ ذكر المادة 113 في البيان الأخير هو لحماية الدولة وليس ضدّها ولا حتى لمصلحة المصارف وجمعية المصارف، وذلك على عكس ما تحاول بعض الجهات الإعلامية تصويره وحرف النقاش عن حقيقته.

المعترضون يهدّدون “أصول” الدولة
عليه تقول المصادر إنّ “من يطالبون مصرف لبنان بوضع هذه المليارات الـ16.5 ضمن خسائره سوف يضرّون الدولة التي يدّعون حماية موجوداتها وأصولها، وليس العكس. كما أنّ المصرف المركزي لا يكتتب بسندات الدولة في حال قرّرت ردّها على هذا الشكل، ولا حتى المصارف على استعداد لفعل ذلك، خصوصاً أنّ المبلغ (16.5 مليار دولار) هو أكبر من الناتج المحلّي الإجمالي حالياً بما بين 5 إلى 6 أضعاف”.
لأنّ هذا الأمر غير ممكن نتيجة الظروف التي تمرّ بها خزينة الدولة، ارتأى مصرف لبنان أن يبقي الميزانية كما هي مع توضيح كلّ هذه التفاصيل مثلما وردت في البيان الأخير مع توضيح الربح والخسارة من أجل حماية الدولة وماليّتها “مؤقّتاً” إلى حين التفاهم بين الطرفين كيف سيتمّ بتّ أمر هذا الدين.

مع العلم أنّ مصادر مصرف لبنان تقول إنّ الحاكمية شكّلت لجنة تضمّ مصرف لبنان وممثّلين عن وزارة المالية خصيصاً من أجل صيانة العلاقة بين المركزي والوزارة، وتحديداً مسألة الدين بينهما. وتستهجن المصارف الجلبة والجدل في الوسائل حول هذا الدين قائلة: “بعض الناس مزعوجة من هذا الدين، بينما صاحبا الشأن (المركزي والحكومة) متّفقان حوله”.

كما تبدي المصادر ارتياحاً تامّاً لما تمّ إنجازه في هذا الصدد، وتعتبر أنّ ذكر تلك التفاصيل في البيان الأخير وكذلك في البيانات الدورية اللاحقة هو “تقدّم كبير”، لأنّ مصرف لبنان أصبح يقدّم ميزانية وفق معايير دولية، شبيهة ببيانات المصارف المركزية في بلجيكا والنرويج وبريطانيا وألمانيا، كما أنّه يعمل وفق الآليّات نفسها… فتستغرب لماذا تتعمّد بعض الأطراف إظهار العكس؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى