اخبار محلية

“سلّة تعيينات” في كلّ المواقع الشاغرة.. فكرة قابلة للبحث؟!

لا يزال مصير استحقاق قيادة الجيش يتصدّر “الأجندة السياسية” في البلاد، وسط انقسام في مقاربته بين مؤيدين للتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون قبل انتهاء ولايته في العاشر من كانون الثاني المقبل، تفاديًا لأيّ “شغور” غير مستحبّ، بل “خطير” على رأس المؤسسة العسكرية، ومعترضين في المقابل على “المبدأ” غير المستحَبّ برأيهم، طالما أن “البدائل القانونية” متوافرة، ومن رحم الدستور، كما يقولون.

ضمن هذه “البدائل” التي يروّج لها البعض، فكرة “تعيين” قائد أصيل للجيش، يخلف العماد عون في مهمّته وفقًا للأصول، وهو طرحٌ يتبنّاه “التيار الوطني الحر” بقيادة الوزير السابق جبران باسيل، على الرغم من أنه كان “رأس حربة” في معارضة تعيين الحكومة سابقًا لحاكم أصيل لمصرف لبنان خلفًا لرياض سلامة، وقبله مدير عام للأمن العام خلفًا للواء عباس إبراهيم، باعتبار أنّ هذه التعيينات يجب أن تتمّ بعد انتخاب رئيس للجمهورية.

إزاء ذلك، ثمّة من “يعمّم” الفكرة، ليطرح “سلّة تعيينات” في كلّ المواقع التي شغرت أو التي ستشغر في المستقبل القريب، ومنها موقع النائب العام التمييزي الذي تنتهي ولايته خلال مئة عام، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي بعد ستة أشهر، فهل تصبح فكرة “التعيينات الشاملة” قابلة للبحث، أقلّه من باب تفادي تحوّل الدولة اللبنانية في عهد “الفراغ”، إلى “دولة الشغور” في كلّ المراكز والمواقع والمناصب، والتي قد تكون وصفة “مثالية” للفوضى؟!

بين التمديد والتعيين

بهذا المعنى، تجد الفكرة “أصداءً” لدى بعض الأفرقاء، ممّن يعتبرون أنّ الاستحقاقات الداهمة تفرض نفسها، وأنّ تجاهلها بالجملة، أو التعامل معها باستخفاف، قد لا يكون الخيار الأفضل، وهو ما يتجلّى بوضوح اليوم في طريقة مقاربة استحقاق قيادة الجيش، مع إعلان أطراف عدّة، على رأسها البطريرك الماروني بشارة الراعي، أنّ ما سرى على حاكمية مصرف لبنان ومديرية الأمن العام، لا يمكن أن يسري على قيادة الجيش بأيّ شكل من الأشكال.

لكنّ هذا “الاستثناء” قد يصبح هو “القاعدة” برأي البعض، ممّن يسألون: “هل أصبحت المواقع في الدولة اللبنانية مقسّمة على طريقة مواقع بسمنة وأخرى بزيت؟ ولماذا سيقبل الأطراف بأن يسري على مديرية الأمن الداخلي أو النيابة العامة التمييزية مثلاً، ما لم يَسرِ على قيادة الجيش؟”. ويذهب هؤلاء أبعد من ذلك، مشدّدين على وجوب التعامل مع كل هذه المراكز بعين واحدة، وبلا ازدواجية معايير، خصوصًا أنّ “لا بشائر” في الأفق لإنهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية.

أكثر من ذلك، في حال التسليم بعدم سريان ما جرى في حاكمية مصرف لبنان ومديرية الأمن العام على سائر المواقع، لجهة انتقال القيادة إلى من هو “الأعلى رتبة”، تصبح الخيارات محدودة، فإما التمديد أو التعيين، لكنّ أيّ خيار من الإثنين ينبغي أن يكون “موحَّدًا”، وهو ما يدفع البعض لطرح فكرة “سلّة التعيينات” التي يمكن أن تكون مقبولة، بحيث ترضي مختلف الأطراف، كلٌ في مضمار أو موقع معيّن.

“تطبيع مع الفراغ”

لكنّ هذا الطرح الذي يروّج له البعض ضمن “السيناريوهات المحتملة”، باعتبار أنّ “ترحيل” كل الاستحقاقات لما بعد انتخاب الرئيس، بات يحمل من الأضرار أكثر من المنافع، في ظلّ الاستحقاقات الداهمة التي تعنى ببعض المؤسسات الحيوية والأساسية، يصطدم برفض “مبدئي” من قبل شريحة واسعة من اللبنانيين، تعتبر أنّ مثل هذا الأمر سيشكّل “تطبيعًا مع الفراغ”، لا يجوز تمريره بأيّ شكل من الأشكال، وتحت أيّ ظرف من الظروف.

ويرى أصحاب هذا الرأي، وبينهم من يدفع نحو التمديد لقائد الجيش بوصفه “أهون الشرّين” في ظلّ الظروف الدقيقة التي تمرّ فيها البلاد، أنّ الذهاب إلى “تعيينات شاملة” قبل انتخاب رئيس للجمهورية يشكّل “مصادرة” لما تبقّى للأخير من حقوق وصلاحيات، بل “إساءة جوهرية” لشخص الرئيس، الذي يفترض أن يكون صاحب “الرأي الأخير” في “رجال العهد”، إن جاز التعبير، بدل العمل على “فرض” هؤلاء عليه سلفًا، ما يمكن أن يقيّده ويكبّله.

بالنسبة إلى هؤلاء، قد يكون الأجدى لمن يروّجون لفكرة “سلّة التعيينات” في هذا التوقيت “غير البريء”، وفق وصفهم، أن يعملوا على “تسهيل” انتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد، بما يعيد تلقائيًا الانتظام إلى المؤسسات الدستورية، ويجعل “التعيين” في المواقع الشاغرة، من “البديهيات” في العمل السياسي، لكن ما دون انتخاب الرئيس، فلا تعيينات يمكن أن تمرّ ولا من يحزنون، احترامًا لموقع الرئاسة، ومنعًا لأيّ تطبيع مع شغوره، وكأنّ لا قيمة له.

بين هذا الرأي وذاك، تبقى “خريطة طريق” الحلّ واحدة، تقود إليها كلّ الأزمات بلا استثناء: انتخاب رئيس جديد للجمهورية اليوم قبل الغد، من دون انتظار نهاية حربٍ من هنا، أو استحقاق من هنا، ومن دون الرهان على تغيّرات إقليمية أو دوليّة، أو على أن ينتخب الخارج الرئيس نيابة عن اللبنانيين. فعلى الرغم من أن فعل الانتخاب لن يكون “حلاً سحريًا” للأزمات، يبقى على الأقل “المفتاح” لحياة دستورية طبيعية وبلا تعقيدات!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى