اقتصاد

من ماذا يتخوفون المودعون ؟!

دخل النزاع المالي المستحكم في لبنان بين ثلاثي الدولة والبنك المركزي والجهاز المصرفي طوراً جديداً يُنذر بالوصول إلى ردهات القضاء المحلّي والخارجي، على خلفية الخلافات العميقة بشأن مقاربة الحكومة لفجوة الخسائر المقدرة بنحو 72 مليار دولار، واستطراداً استهداف شطب العجز المحقّق في ميزانية «المركزي»، عبر عزل توظيفات المصارف لديه.

وبالتوازي، يتكفل الغبار الكثيف لمعركة تبادل اتهامات سوء الحوكمة وما أفضى إليه من تبديد للاحتياطيات والتوظيفات، بارتفاع مستمر في منسوب القلق من بلوغ مرحلة استسهال إيقاع العبء الأكبر على عاتق مئات آلاف المودِعين، من مقيمين وغير مقيمين، الذين يحملون قيوداً دفترية بمدخرات تناهز 92 مليار دولار.

ويُتوقع، حسب مصادر مصرفية وقانونية متابعة، أن تشكل المادة 113 من قانون النقد والتسليف النواة الصلبة للاحتكام في تحميل المسؤوليات وتوزيع الأعباء على الأطراف المتنازعة، لا سيما لجهة النص على وجوب تولّي الدولة تغطية أي عجز في ميزانية البنك المركزي من الاحتياطي العام أو دفعه من الخزينة.

وفي مستجدات النزاع، أقدمت مجموعة من أكبر المصارف اللبنانية، التي تحمل قيود موجبات لصالحها لدى «المركزي» وبما يتعدّى 70 في المائة من إجمالي توظيفات المصارف التي تناهز 88 مليار دولار، على تعميم مذكرة قانونية تقضي بإرساء وصف «ربط نزاع» مع الدولة التي يتوجب عليها تغطية كامل عجز البنك المركزي وسداد ديونها ومستحقات سنداتها له، كمرتكز قانوني لاستعادة المصارف حقوقها، وبالتالي تمكينها من رد أموال المودِعين التي تتعدّى 90 مليار دولار، وفق البيانات المحدثة.

ووفق نسخة تلقتها «الشرق الأوسط»، عممت جمعية المصارف النص الكامل من 11 صفحة لمذكرة «ربط نزاع» تحت طائلة اللجوء إلى القضاء الإداري، وتقدم بها المحاميان أكرم عازوري وإيلي شمعون، بوكالتهما عن 11 مصرفاً عاملاً تشكل الكتلة الكبرى من حجم القطاع، وموجَّهة إلى وزارة المالية بغية إلزام الدولة بتنفيذ موجباتها القانونية والتعاقدية تجاه مصرف لبنان عن طريق التسديد الفوري إلى المصرف المركزي المبالغ المستحقة بذمتها تجاهه، وتحت طائلة اللجوء إلى القضاء الإداري.

ووفق توضيحات موازية من رئيس الجمعية سليم صفير، فإن الأساس هو القانون المتعلق بالانتظام المالي الذي يفترض أن يوزّع المسؤوليات بطريقة عادلة. وبذلك فإن الودائع لدى البنوك مؤمَّنة بالكامل إذا نفذت الدولة موجبها القانوني بتغطية العجز في المصرف المركزي وفق القوانين المرعيّة الإجراء، لا سيما المادة 113 من قانون النقد والتسليف. علماً بأن الجزء الوازن من المسؤولية يقع على عاتق الدولة التي تسببت بممارساتها وعجوزاتها المالية المتراكمة في خلق عجز كبير في ميزانية البنك المركزي.

وتؤكد المصارف المتضررة، أن توظيفاتها المالية هي أموال المودِعين التي أودعتها في مصرف لبنان، سواء بإرادتها أو بقوة التعاميم والقرارات التي كان يُصدرها «المركزي» وهي مُلزِمة للمصارف. وهو ما اقتضى تضمين المذكرة السرد المفصّل للطريقة التي أدّت إلى تجميع الخسائر في البنك المركزي، من خلال استخدام الدولة للأموال.

وفي باب المرتكزات القانونية، استندت المذكرة إلى معادلة متوازية لإيفاء الحقوق. فالمصارف المستدعية هي دائنة لمصرف لبنان ومتضررة من عدم مطالبته الدولة اللبنانية بديونها. ولذا فهي تطلب إلزام الدولة بتسديد ديونها والتزاماتها إلى البنك المركزي لكي يتمكّن من تسديد التزاماته إلى المصارف، وبالتالي تتمكّن هي من إعادة أموال المودِعين.

كما عزّزت هذا البعد، بارتكاز المذكرة في حيثياتها على ميزانيات مصرف لبنان، وعلى نتائج التدقيق الجنائي الذي أصدرته «ألفاريز آند مارسال Alvarez &Marsal»، وعلى التدقيق المحاسبي الذي أصدرته «أوليفر وايمن Oliver Wyman» بناءً على طلب من الدولة اللبنانية.

وأما لجهة تحديد المبالغ المثبتة في قيود الميزانية ونتائج التدقيق المحاسبي، فقد طالبت الدولة بتسديد دينها لمصرف لبنان والبالغ نحو 16.6 مليار دولار، وبتسديد نحو 51.3 مليار دولار لتغطية خسائر المصرف الظاهرة في ميزانيته لسنة 2020، تطبيقاً لقانون النقد والتسليف، لا سيما المادة 113 منه. كذلك تغطية زيادة العجز في المصرف عن السنتين 2021 و2022 من خلال اتّباع طريقة الاحتساب التي اتّبعتها شركة التدقيق «ألفاريز آند مارسال» في تحديد الخسائر حتى عام 2020.

المصدر: علي زين الدين – “الشرق الاوسط”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى